قوله تعالى: { فلما استيأسوا منه } أي: أيسوا.
وفي هاء «منه» قولان.
أحدهما: أنها ترجع إِلى يوسف، فالمعنى: يئسوا من يوسف أن يخلّي سبيل أخيهم.
والثاني: إِلى أخيهم، فالمعنى: يئسوا من أخيهم.
قوله تعالى: { خلصوا نجياً } أي: اعتزلوا الناس ليس معهم غيرهم، يتناجَون ويتناظرون ويتشاورون، يقال: قوم نجي، والجمع أنجية، قال الشاعر:
إِني إِذا ما القومُ كانوا أَنْجِيَهْ وَاضّطربَتْ أَعْنَاقُهم كالأَرْشِيَهْ
وإِنما وحد «نجياً» لأنه يجري مجرى المصدر الذي يكون للاثنين، والجمع والمؤنث بلفظ واحد وقال الزجاج: انفردوا متناجين فيما يعملون في ذهابهم إِلى أبيهم وليس معهم أخوهم. قوله تعالى: { قال كبيرهم } فيه قولان:
أحدهما: أنه كبيرهم في العقل، ثم فيه قولان:
أحدهما: أنه يهوذا، ولم يكن أكبرهم سناً، وإِنما كان أكبرهم سناً روبيل، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الضحاك، ومقاتل.
والثاني: أنه شمعون، قاله مجاهد.
والثاني: أنه كبيرهم في السن وهو روبيل، قاله قتادة، والسدي.
قوله تعالى: { ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقاً من الله } في حفظ أخيكم وردِّه إِليه { ومن قبل ما فرطتم في يوسف } قال الفراء: «ما» في موضع رفع، كأنه قال: ومن قبل هذا تفريطكم في يوسف. وإِن شئت جعلتها نصباً، المعنى: ألم تعلموا هذا، وتعلموا من قبل تفريطكم في يوسف. وإِن شئت جعلت «ما» صلة، كأنه قال: ومن قبل فرَّطتم في يوسف. قال الزجاج: وهذا أجود الوجوه، أن تكون «ما» لغواً.
قوله تعالى: { فلن أبرح الأرض } أي: لن أخرج من أرض مصر، يقال: بَرِح الرجل بَراحاً: إِذا تنحّى عن موضعه. { حتى يأذن لي } قال ابن عباس: حتى يبعث إِليَّ أن آتيه، { أو يحكم الله لي } فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أو يحكم الله لي، فيردَّ أخي عليّ.
والثاني: يحكم الله لي بالسيف، فأحارب من حبس أخي.
والثالث: يقضي في أمري شيئاً، { وهو خير الحاكمين } أي: أعدلهم وأفضلهم.
قوله تعالى: { إِن ابنك سرق } وقرأ ابن عباس، والضحاك، وابن أبي سريج عن الكسائي: «سُرِّق» بضم السين وتشديد الراء وكسرها.
قوله تعالى: { وما شهدنا إِلا بما علمنا } فيه قولان:
أحدهما: وما شهدنا عليه بالسرقة إِلا بما علمنا، لأنا رأينا المسروق في رحله، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: وما شهدنا عن يوسف بأن السارق يؤخذ بسرقته إِلا بما علمنا من دينك، قاله ابن زيد.
وفي قوله: { وما كنا للغيب حافظين } ثمانية أقوال:
أحدها: أن الغيب هو الليل، والمعنى: لم نعلم ما صنع بالليل، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وهذا يدل على أن التهمة وقعت به ليلاً.
والثاني: ما كنا نعلم أن ابنك يسرق، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد، وبه قال عكرمة، وقتادة، ومكحول. قال ابن قتيبة: فالمعنى: لم نعلم الغيب حين أعطيناك الموثق لنأتينَّك به أنه يسرق فيؤخذ.
والثالث: لم نستطع أن نحفظه فلا يسرق، رواه عبد الوهاب عن مجاهد.
والرابع: لم نعلم أنه سرق للملك شيئاً، ولذلك حكمنا باسترقاق السارق، قاله ابن زيد.
والخامس: أن المعنى: قد رأينا السرقة قد أُخذت من رحله، ولا علم لنا بالغيب فلعلهم سرَّقوه، قاله ابن إِسحاق.
والسادس: ما كنا لغيب ابنك حافظين، إِنما نقدر على حفظه في محضره، فإِذا غاب عنا، خفيت عنا أموره.
والسابع: لو علمنا من الغيب أن هذه البلية تقع بابنك ما سافرنا به، ذكرهما ابن الأنباري.
والثامن: لم نعلم أنك تُصَابُ به كما أُصبتَ بيوسف، ولو علمنا لم نذهب به، قاله ابن كيسان.