التفاسير

< >
عرض

وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ
١٣
-الرعد

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { ويسبِّح الرعد بحمده } فيه قولان:

أحدهما: أنه اسم الملَك الذي يزجر السحاب، وصوته: تسبيحه، قاله مقاتل.

والثاني: أنه الصوت المسموع. وإِنما خُص الرعد بالتسبيح، لأنه من أعظم الأصوات. قال ابن الأنباري: وإِخباره عن الصوت بالتسبيح مجاز، كما يقول القائل: قد غمَّني كلامك.

قوله تعالى: { والملائكة من خيفته } في هاء الكناية قولان:

أحدهما: أنها ترجع إِلى الله عز وجل، وهو الأظهر. قال ابن عباس: يخافون الله، وليس كخوف ابن آدم، لا يعرف أحدهم مَنْ على يمينه ومَنْ على يساره، ولا يَشْغَله عن عبادة الله شيء.

والثاني: أنها ترجع إِلى الرعد، ذكره الماوردي.

قوله تعالى: { ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء } اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها نزلت في أربد بن قيس، وعامر ابن الطُفَيل، أتيا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان الفتك به، فقال: «اللهم اكفنيهما بما شئت»، فأما أربد فأرسل الله عليه صاعقة في يوم صائف صاحٍ فأحرقته، وأما عامر فأصابته غُدّة فهلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية، هذا قول الأكثرين، منهم ابن جريج، وأربد هو أخو لبيد بن ربيعة لأُمه.

والثاني: أنها نزلت في رجل جاء إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: حدِّثني يا محمد عن إِلهك، أياقوت هو؟ أذهبٌ هو؟ فنزلت على السائل صاعقة فأحرقته، ونزلت هذه الآية، قاله عليّ عليه السلام. قال مجاهد: وكان يهودياً. وقال أنس بن مالك: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى بعض فراعنة العرب يدعوه إِلى الله تعالى فقال للرسول: وما الله، أمِن ذهب هو، أم مِن فضة، أم من نحاس؟ فرجع إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: «ارجع إِليه فادعه»، فرجع، فأعاد عليه الكلام، إِلى أن رجع إِليه ثالثة، فبينما هما يتراجعان الكلام، إِذ بعث الله سحابة حيال رأسه، فرعدت ووقعت منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه، ونزلت هذه الآية.

والثالث: أنها في رجل أنكر القرآن وكذَّب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأرسل الله عليه صاعقة فأهلكته، ونزلت هذه الآية، قاله قتادة.

قوله تعالى: { وهم يجادلون في الله } فيه قولان:

أحدهما: يكذِّبون بعظَمة الله، قاله ابن عباس.

والثاني: يخاصِمون في الله، حيث قال قائلهم: أهو من ذهب، أم من فضة؟ على ما تقدم بيانه.

قوله تعالى: { وهو شديد المحال } فيه خمسة أقوال:

أحدها: شديد الأخذ، قاله عليّ عليه السلام.

والثاني: شديد المكر، شديد العداوة، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثالث: شديد العقوبة، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وقال مجاهد في رواية عنه: شديد الانتقام. وقال أبو عبيدة: شديد العقوبة والمكر والنكال، وأنشد للأعشى:

فَرْعُ نَبْعٍ يهتزُّ في غُصُن المجـ ـد، غزيرُ النَّدى، شديدُ المِحال
إِن يُعاقِب يكُنْ غَراماً وإِن يُعْـ ـطِ جَزيلاً فإنَّهُ لا يُبالي

وقال ابن قتيبة:شديد المكر واليد، وأصل المحال: الحيلة.

والرابع: شديد القوَّة، قاله مجاهد. قال الزجاج: يقال ما حلتُه مِحالاً: إِذا قاويته حتى تبيَّن له أيكما الأشد، والمَحَل في اللغة: الشدة.

والخامس: شديد الحقد، قاله الحسن البصري فيما سمعناه عنه مسنداً من طرق، وقد رواه عنه جماعة من المفسرين منهم ابن الأنباري، والنقاش، ولا يجوز هذا في صفات الله تعالى. قال النقاش: هذا قول مُنكرٌ عند أهل الخبر والنظر في اللغة لا يجوز أن تكون هذه صفةً من صفات الله عز وجل. والذي أختاره في هذا ما قاله عليّ عليه السلام: شديد الأخذ، يعني: أنه إِذا أخذ الكافر والظالم لم يفلته من عقوباته.