التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ
٩٨
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
٩٩
إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ
١٠٠
وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
١٠١
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ
١٠٢
-النحل

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { فإذا قرأتَ القرآن فاستعذ بالله } فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أن المعنى: فاذا أردتَ القراءة فاستعذ، ومثله { { إِذا قمتم إِلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } [المائدة: 6] وقوله: { { وإِذا سألتموهُنَّ متاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ من وراء حجاب } [الأحزاب 53] وقوله: { { إِذا ناجيتم الرسول فقدِّموا بين يَدَيْ نجواكم صدقة } [المجادلة: 12].

ومثله في الكلام: إِذا أكلت فقل: باسم الله، هذا قول عامة العلماء واللغويين.

والثاني: أنه على ظاهره، وأن الاستعاذة بعد القراءة. روي عن أبي هريرة، وداود.

والثالث: أنه من المقدَّم والمؤخَّر، فالمعنى: فاذا استعذت بالله فاقرأ، قاله أبو حاتم السجستاني، والأول أصح.

فصل

والاستعاذة عند القراءة سُنَّةٌ في الصلاة وغيرها.

وفي صفتها عن أحمد روايتان:

إحدهما: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إِن الله هو السميع العليم، رواها أبو بكر المروزي.

والثانية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، إِن الله هو السميع العليم، رواها حنبل. وقد بيَّنَّا معنى «أعوذ» في أول الكتاب [ص:7]، وشرحنا اشتقاق الشيطان في [البقرة:14]، والرجيم في [آل عمران:36].

قوله تعالى: { إِنه ليس له سلطان على الذين امنوا } في المراد بالسلطان قولان:

أحدهما: أنه التسلُّط.

ثم فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: ليس له عليهم سلطان بحال، لأن الله صرف سلطانه عنهم بقوله: { إِن عبادي ليس لك عليهم سلطان إِلاَّ من اتَّبعك من الغاوين } [الحجر 42].

والثاني: ليس له عليهم سلطان، لاستعاذتهم منه.

والثالث: ليس له قُدْرة على أن يحملهم على ذَنْب لا يُغْفَر.

والثاني: أنه الحُجَّة. فالمعنى: ليس له حُجَّة على ما يدعوهم إِليه من المعاصي، قاله مجاهد.

فأما قوله: { يَتَولَّوْنه } معناه: يطيعونه.

وفي هاء الكناية في قوله: { والذين هم به مشركون } قولان:

أحدهما: أنها ترجع إِلى الله تعالى، قاله مجاهد، والضحاك.

والثاني: أنها ترجع إِلى الشيطان، فالمعنى: الذين هم من أجله مشركون بالله، وهذا كما يقال: صار فلان بك عالماً، أي: من أجلك، هذا قول ابن قتيبة. وقال ابن الأنباري: المعنى: والذين هم باشراكهم إِبليسَ في العبادة، مشركون بالله تعالى.

قوله تعالى: { وإِذا بدَّلنا آية مكان آية } سبب نزولها أن الله تعالى كان ينزِّل الآية، فيُعمَل بها مدة، ثم ينسخها، فقال كفار قريش: والله ما محمد إِلاَّ يسخر من أصحابه، يأمرهم اليوم بأمر، ويأتيهم غداً بما هو أهون عليهم منه، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والمعنى: إِذا نسخنا آية بآية، إِما نسخ الحكم والتلاوة، أو نسخ الحكم مع بقاء التلاوة { والله أعلم بما يُنزِّل } من ناسخٍ ومنسوخ، وتشديد وتخفيف، فهو عليم بالمصلحة في ذلك { قالوا إِنما أنت مفترٍ } أي: كاذب { بل أكثرهم لايعلمون } فيه قولان:

أحدهما: لايعلمون أن الله أنزله.

والثاني: لايعلمون فائدة النسخ.

قوله تعالى: { قل نزَّلَه } يعني: القرآن { روح القُدُس } يعني: جبريل. وقد شرحنا هذا الاسم في [البقرة:87].

قوله تعالى: { مِن ربك } أي: من كلامه { بالحق } أي: بالأمر الصحيح { ليثبِّت الذين آمنوا } بما فيه من البيِّنات فيزدادوا يقيناً.