التفاسير

< >
عرض

إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ
٧٦
وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ
٧٧
-القصص

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { إِنَّ قارونَ كان من قوم موسى } أي: من عشيرته؛ وفي نسبه إِلى موسى ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه كان ابن عمه، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال عبد الله بن الحارث، وإِبراهيم، وابن جريج.

والثاني: ابن خالته، رواه عطاء عن ابن عباس.

والثالث: أنه كان عمَّ موسى، قاله ابن إِسحاق.

قال الزجاج: «قارون» اسم أعجمي لا ينصرف، ولو كان «فاعولاً» من العربية من «قرنتُ الشيء» لانصرف.

قوله تعالى: { فبغى عليهم } فيه خمسة أقوال.

أحدها: أنه جعل لِبَغِيٍّ جُعْلاً على أن تقذف موسى بنفسها، ففعلت، فاستحلفها موسى على ما قالت، فأخبرته بقصتها، فكان هذا بغيه، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه بغى بالكفر بالله تعالى، قاله الضحاك.

والثالث: بالكِبْر، قاله قتادة.

والرابع: أنه زاد في طول ثيابه شِبراً، قاله عطاء الخراساني، وشهر بن حوشب.

والخامس: أنه كان يخدم فرعون فتعدَّى على بني إِسرائيل وظلمهم، حكاه الماوردي. وفي المراد بمفاتحه قولان.

أحدهما: أنها مفاتيح الخزائن التي تفتح بها الأبواب، قاله مجاهد، وقتادة. وروى الأعمش عن خيثمة قال: كانت مفاتيح قارون وِقْر ستين بغلاً، وكانت من جلود، كل مفتاح مثل الأصبع.

والثاني: أنها خزائنه، قاله السدي، وأبو صالح، والضحاك. قال الزجاج: وهذا الأشبه أن تكون مفاتحه خزائن ماله؛ وإِلى نحو هذا ذهب ابن قتيبة. قال أبو صالح: كانت خزائنه تُحمل على أربعين بغلاً.

قوله تعالى: { لَتَنُوءُ بالعُصبة } أي: تُثقلهم وتُميلهم. ومعنى الكلام: لَتُنِيءُ العصبةَ، فلمَّا دخلت الباءُ في «العُصْبة» انفتحت التاء، كما تقول: هذا يَذْهَبُ بالأبصارِ، وهذا يُذْهِبُ الأبصارَ، وهذا اختيار الفراء، وابن قتيبة، والزجَّاج في آخرين. وقال بعضهم: هذا من المقلوب، وتقديره: ما إِن العُصْبة لَتَنُوء بمفاتحه، كما يقال: إِنها لَتَنُوء بها عجيزُتها، أي: هي تَنْوء بعجيزتها، وأنشدوا:

فَدَيْتُ بِنَفْسِهِ نَفِسْي ومَالي ومَا آلُوكَ إِلاَّ مَا أُطِيقُ

أي: فديت بنفسي وبمالي نفسه، وهذا اختيار أبي عبيدة، والأخفش. وقد بيَّنَّا معنى العُصْبة في سورة [يوسف:8]، و [في] المراد بها [هاهنا] ستة أقوال.

أحدها: أربعون رجلاً، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثاني: ما بين الثلاثة إِلى العشرة، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثالث: خمسة عشر، قاله مجاهد.

والرابع: فوق العشرة إِلى الأربعين، قاله قتادة.

والخامس: سبعون رجلاً، قاله أبو صالح.

والسادس: ما بين الخمسة عشر إِلى الأربعين، حكاه الزجاج. قوله تعالى { إِذ قال له قومه } في القائل له قولان.

أحدهما: أنهم المؤمنون من قومه، قاله السدي.

والثاني: أنه قول موسى له، حكاه الماوردي.

قوله تعالى: { لا تَفْرَحْ } قال ابن قتيبة: المعنى: لا تأشَرْ، ولا تَبطَرْ، قال الشاعر:

ولستُ بِمِفْراحٍ إِذا الدَّهرُ سَرَّني ولا جازعٍ من صَرْفهِ المُتَحَوِّلِ

أي: لستُ بأَشِرٍ، فأمَّا السرورُ، فليس بمكروه. { إِنَّ الله لا يُحِبُّ الفَرِحِين } وقرأ أبو رجاء، وأبو حيوة، وعاصم الجحدري، وابن أبي عبلة: { الفَارِحِين } [بألف].

قوله تعالى: { وابْتَغِ فيما آتاكَ اللّهُ } أي: اطلب فيما أعطاكَ اللّهُ من الأموال. وقرأ أبو المتوكل، وابن السميفع: { واتَّبِعْ } بتشديد التاء وكسر الباء بعدها وعين ساكنة غير معجمة { الدارَ الآخرةَ } وهي: الجنة؛ وذلك يكون بانفاقه في رضى الله تعالى وشُكر المُنْعِم به { ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِن الدُّنيا } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أن يعمل في الدنيا للآخرة، قاله ابن عباس، ومجاهد، والجمهور.

والثاني: أن يُقدِّم الفضل ويُمسك ما يُغْنيه، قاله الحسن.

والثالث: أن يستغنيَ بالحلال عن الحرام، قاله قتادة.

وفي معنى { وأَحْسِنْ كما أحسن اللّهُ إِليك } ثلاثة أقوال حكاها الماوردي.

أحدها: أَعْطِ فضل مالك كما زادك على قدر حاجتك.

والثاني: أَحْسِن فيما افترض عليك كما أحسن في إِنعامه إِليك.

والثالث: أحسن في طلب الحلال كما أحسن إِليك في الإِحلال.

قوله تعالى: { ولا تَبْغِ الفساد في الأرض } فتعمل فيها بالمعاصي.