التفاسير

< >
عرض

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً
١٥٧
بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
١٥٨
-النساء

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { وقولهم إِنا قتلنا المسيح } قال الزجاج: أي باعترافهم بقتلهم إِيَّاه، وما قتلوه، يُعذَّبون عذابَ من قتل، لأنهم قتلوا الذي قتلوا على أنه نبي وفي قوله: «رسول الله» قولان.

أحدهما: أنه من قول اليهود، فيكون المعنى: أنه رسول الله على زعمه.

والثاني: أنه من قول الله، لا على وجه الحكاية عنهم.

قوله تعالى: { ولكن شُبّه لهم } أي: أُلقِي شبهُه على غيره.

وفيمن أُلقي عليه شبهه قولان.

أحدهما: أنه بعض من أراد قتله من اليهود. روى أبو صالح عن ابن عباس: أن اليهود لما اجتمعت على قتل عيسى، أدخله جبريل خوخة لها رَوزنة، ودخل وراءه رجل منهم، فألقى الله عليه شبه عيسى، فلما خرج على أصحابه، قتلوه يظنونه عيسى، ثم صلبوه، وبهذا قال مقاتل، وأبو سليمان.

والثاني: أنه رجُلٌ من أصحاب عيسى، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن عيسى خرج على أصحابه لما أراد الله رفعه، فقال: أيكم يُلقى عليه شبهي، فيقتل مكاني، ويكون معي في درجتي؟ فقام شاب، فقال: أنا، فقال: اجلس، ثم أعاد القول، فقام الشاب، فقال عيسى: اجلس، ثم أعاد، فقال الشاب: أنا، فقال: نعم أنت ذاك، فألقي عليه شبه عيسى، ورفع عيسى، وجاء اليهود، فأخذوا الرجل، فقتلوه، ثم صلبوه. وبهذا القول قال وهب بن منبه، وقتادة، والسدي.

قوله تعالى: { وإِن الذين اختلفوا فيه } في المختلفين قولان.

أحدهما: أنهم اليهود، فعلى هذا في هاء «فيه» قولان.

أحدهما: أنها كناية عن قتله، فاختلفوا هل قتلوه أم لا؟.

وفي سبب اختلافهم في ذلك قولان.

أحدهما: أنهم لما قتلوا الشخص المشبّه كان الشبه قد أُلقي على وجهه دون جسده، فقالوا: الوجه وجه عيسى، والجسد جسد غيره، ذكره ابن السائب.

والثاني: أنهم قالوا: إِن كان هذا عيسى، فأين صاحبنا؟ وإِن كان هذا صاحبنا، فأين عيسى؟ يعنون الذي دخل في طلبه، هذا قول السدي.

والثاني: أن «الهاء» كناية عن عيسى، واختلافهم فيه قول بعضهم: هو ولد زنى، وقول بعضهم: هو ساحر.

والثاني: أن المختلفين النصارى، فعلى هذا في هاء «فيه» قولان.

أحدهما: أنها ترجع إِلى قتله، هل قتل أم لا؟ والثاني: أنها ترجع إِليه، هل هو إِله أم لا؟ وفي هاء «منه» قولان.

أحدهما: أنها ترجع إِلى قتله.

والثاني: إِلى نفسه هل هو إِلهٌ، أم لغيرِ رشدة، أم هو ساحر؟

قوله تعالى: { ما لهم به من علم إِلا اتباع الظن } قال الزجاج: «اتباع» منصوب بالاستثناء، وهو استثناء ليس من الأول. والمعنى: ما لهم به من علم إِلا أنهم يتبعون الظن، وإِن رُفع جاز على أن يجعل علمهم اتباع الظن، كما تقول العرب: تحيّتك الضّرب.

قوله تعالى: { وما قتلوه } في «الهاء» ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها ترجع إِلى الظن فيكون المعنى: وما قتلوا ظنّهم يقيناً، هذا قول ابن عباس.

والثاني: أنها ترجع إِلى العلم، أي: ما قتلوا [العلم به] يقيناً، تقول: قتلته يقيناً، وقتلته علماً [للرأي والحديث] هذا قول الفراء، وابن قتيبة. قال ابن قتيبة: وأصل هذا: أن القتل للشيء يكون عن قهر واستعلاء وغلبة، يقول: فلم يكن علمهم بقتل المسيح علماً أحيط به، إِنما كان ظناً.

والثالث: أنها ترجع إلى عيسى، فيكون المعنى: وما قتلوا عيسى حقاً، هذا قول الحسن. وقال ابن الأنباري: اليقين مؤخر في المعنى، فالتقدير: وما قتلوه، بل رفعه الله إِليه يقيناً.