قوله تعالى: { من الذين هادوا } قال مقاتل: نزلت في رفاعة بن زيد، ومالك ابن الضَّيف، وكعب بن أسيد، وكلهم يهود. وفي «من» قولان. ذكرهما الزجاج.
أحدهما: أنها من صلة الذين أوتوا الكتاب، فيكون المعنى: ألم تر إِلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب من الذين هادوا.
والثاني: أنها مستأنفة، فالمعنى: من الذين هادوا قوم يحرّفون، فيكون قوله: يحرّفون، صفة، ويكون الموصوف محذوفاً، وأنشد سيبويه:
وما الدَّهر إِلاَّ تَارَتانِ فمنهما أموتُ وأُخرى أبتغي العيشَ أكْدَحُ
والمعنى: فمنهما تارة أموت فيها. قال أبو علي الفارسي: والمعنى: وكفى بالله نصيراً من الذين هادوا، أي: إن الله ينصر عليهم. فأما«التحريف»، فهو التغيير. و«الكلم»: جمع كلمة. وقيل: إِن «الكلام» مأخوذ من «الكلْم»، وهو الجرحُ الذي يشق الجلد واللحم، فسمي الكلام كلاماً، لأنه يشق الأسماع بوصوله إِليها، وقيل: بل لتشقيقه المعاني المطلوبة في أنواع الخطاب.
وفي معنى تحريفهم الكلم قولان.
أحدهما: أنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الشيء، فإذا خرجوا، حرفوا كلامه، قاله ابن عباس. والثاني: أنه تبديلهم التوراة، قاله مجاهد.
قوله تعالى: { عن مواضعه }، أي: عن أماكنه ووجوهه.
قوله تعالى: { ويقولون سمعنا وعصينا } قال مجاهد: سمعنا قولك، وعصينا أمرك.
قوله تعالى: { واسمع غير مسمع } فيه قولان.
أحدهما: أن معناه: اسمع لا سمعت، قاله ابن عباس، وابن زيد، وابن قتيبة.
والثاني: أن معناه: اسمع غير مقبول ما تقول، قاله الحسن، ومجاهد. وقد تقدم في (البقرة) معنى: وراعنا.
قوله تعالى: { ليّا بألسنتهم } قال قتادة: «اللي»: تحريك ألسنتهم بذلك. وقال ابن قتيبة معنى «لياً بألسنتهم»: أنهم يحرفون «راعنا» عن طريق المراعاة، والانتظار إِلى السبّ بالرّعونة. قال ابن عباس: { لكان خيراً لهم } مما بدلوا، و { أقوم } أي: أعدل، { ولكن لعنهم الله بكفرهم } بمحمد.
قوله تعالى { فلا يؤمنون إِلا قليلاً } فيه قولان: أحدهما: فلا يؤمن منهم إِلا قليل، وهم عبد الله بن سلام، ومن تبعه، قاله ابن عباس.
والثاني: فلا يؤمنون إِلا إيماناً قليلاً، قاله قتادة، والزجاج. قال مقاتل: وهو اعتقادهم أن الله خلقهم ورزقهم.