قوله تعالى: { فما لكم في المنافقين فئتين } في سبب نزولها سبعة أقوال.
أحدها: أن قوماً أسلموا، فأصابهم وَبَاء بالمدينة وحِماها، فخرجوا فاستقبلهم نفرٌ من المسلمين، فقالوا: ما لكم خرجتم؟ قالوا: أصابنا وباء بالمدينة، واجتويناها، فقالوا: أما لكم في رسول الله أسوةٌ؟ فقال بعضهم: نافقوا، وقال بعضهم: لم ينافقوا، فنزلت هذه الآية، رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه.
والثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إِلى أُحد، رجع ناسٌ ممن خرج معه، فافترق فيهم أصحاب رسول الله، ففرقة تقول: نقتلهم، وفرقة تقول: لا نقتلهم، فنزلت هذه الآية، هذا في "الصحيحين" من قول زيد بن ثابت.
والثالث: أن قوماً كانوا بمكة تكلموا بالإِسلام وكانوا يعاونون المشركين، فخرجوا من مكة لحاجة لهم، فقال قوم من المسلمين: اخرجوا إِليهم، فاقتلوهم، فإنهم يظاهرون عدوّكم. وقال قوم: كيف نقتلهم وقد تكلموا بمثل ما تكلمنا به؟ فنزلت هذه الآية، رواه عطية، عن ابن عباس.
والرابع: أن قوماً قدموا المدينة فأظهروا الإِسلام، ثم رجعوا إلى مكة، فأظهروا الشرك، فنزلت هذه الآية، هذا قول الحسن، ومجاهد.
والخامس: أن قوماً أعلنوا الإِيمان بمكة وامتنعوا من الهجرة، فاختلف المؤمنون فيهم، فنزلت هذه الآية، وهذا قول الضحاك.
والسادس: أن قوماً من المنافقين أرادوا الخروج من المدينة، فقالوا للمؤمنين: إِنه قد أصابتنا أوجاع في المدينة، فلعلنا نخرج فنتماثل، فإنا كنا أصحاب بادية، فانطلقوا واختلف فيهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية. هذا قول السدي.
والسابع: أنها نزلت في شأن ابن أُبيّ حين تكلّم، في عائشة بما تكلّم، وهذا قول ابن زيد.
وقوله تعالى: { فما لكم } خطاب للمؤمنين. والمعنى: أي شيء لكم في الاختلاف في أمرهم؟ و«الفئة» الفرقة. وفي معنى «أركسهم» أربعة أقوال.
أحدها: ردّهم، رواه عطاء، عن ابن عباس. قال ابن قتيبة: ركست الشيء، وأركسته: لغتان، أي: نكسهم وردهم في كفرهم، وهذا قول الفراء، والزجاج.
والثاني: أوقعهم، رواه ابن أبي طلحة، عن ابن عباس.
والثالث: أهلكهم، قاله قتادة.
والرابع: أضلّهم، قاله السدّي.
فأما الذي كسبوا، فهو كفرهم، وارتدادهم. قال أبو سليمان: إِنما قال: أتريدون أن تهدوا مَن أضل الله، لأن قوماً من المؤمنين قالوا: إِخواننا، وتكلموا بكلمتنا.
قوله تعالى: { فلن تجدَ له سبيلاً } فيه قولان.
أحدهما: إِلى الحجة، قاله الزجاج.
والثاني: إِلى الهدى، قاله أبو سليمان الدمشقي.