التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ
١٩
حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢٠
وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٢١
وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ
٢٢
وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ
٢٣
فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ
٢٤
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ
٢٥
-فصلت

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { ويومَ يُحْشَرُ أعداء الله } وقرأ نافع: "نَحْشُرُ" بالنون "أعداءً" بالنصب.

قوله تعالى: { فهم يُوزَعونَ } أي: يُحْبَس أوَّلهم على آخرِهم ليتلاحقوا.

{ حتَّى إذا ما جاؤوها } يعني النار التي حُشروا إليها { شَهِدَ عليهم سمعُهم وأبصارُهم وجلودُهم }، وفي المراد بالجلود ثلاثة أقوال:

أحدها: الأيدي والأرجل.

والثاني: الفروج، رويا عن ابن عباس.

والثالث: أنه الجلود نفسها، حكاه الماوردي. وقد أخرج مسلم في أفراده من حديث أنس بن مالك قال: "كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: هل تدرون مِمَّ أضحك؟ قال: قلنا: اللهُ ورسولهُ أعلم. قال: من مخاطبة العبد ربَّه، يقول: يارب ألم تُجِرْني من الظُّلْم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: لا أُجيزُ عليَّ إلا شاهداً منِّي، قال: فيقول: كفى بنفْسك اليومَ عليكَ شهيداٍ، وبالكرام الكاتبين شهوداً، قال: فيُخْتَمُ على فِيه، فيقال لأركانه: انْطِقي، قال: فتَنْطقُ بأعماله، قال: ثُمَّ يُخَلَّى بينَه وبينَ الكلام، فيقول: بُعْداً لَكُنَّ وسُحْقاً، فعنكُنَّ كنتُ أًناضِل" .

قوله تعالى: { قالوا أنطَقَنا اللهُ الذي أنطَق كُلَّ شيءٍ } أي: ممّا نطق. وهاهنا تم الكلام. وما بعده ليس من جواب الجلود.

قوله تعالى: { وما كنتم تَستترون أن يَشهد عليكم سمْعُكم ولا أبصارُكم } روى البخاري ومسلم في "الصحيحين" من حديث ابن مسعود قال: كنتُ مستتراً بأستار الكعبة، فجاء ثلاثة نفرٍ، قرشيٌّ وخَتْناه ثقفيَّان، أو ثقفيٌّ وختَنْاه قرشيّان، كثيرٌ شّحْمُ بُطونهم، قليلٌ فِقْهُ قُلوبهم، فتكلَّموا بكلام لم أسمعه، فقال أحدهم: أتُرَوْنَ اللهَ يَسْمَعُ كلامَنا هذا؟ فقال الآخران: إنّا إذا رفعنا أصواتنا سَمِعَه، وإن لم نَرفع لم يَسمع، وقال الآخر: إن سمع منه شيئاً سمعه كُلَّه، فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: { وما كنتم تَستترون أن يشهد عليكم سمعكم... } إلى قوله: { من الخاسرين } ومعنى "تستترون": تَسْتَخْفون "أن يَشهد" أي: من أن يشهد "عليكم سَمْعُكم" لأنكم لا تَقدرون على الاستخفاء من جوارحكم، ولا تظُنُّون أنها تَشهد { ولكن ظَنَنْتم أنَّ الله لا يَعلم كثيراً مما تَعملون } قال ابن عباس: كان الكفار يقولون: إن الله لا يَعلم ما في أنفُسنا، ولكنه يعلم ما يَظهر، { وذلكم ظنُّكم } أي: أن الله لا يَعلم ما تعملون، { أرداكم } أهلككم.

{ فإن يَصْبِروا } أي: على النّار، فهي مسكنهم، { وإن يَسْتَعْتِبوا } أي: يَسألوا أن يُرجَع لهم إلى ما يحبُّون، لم يُرْجَع لهم، لأنهم لا يستحقُّون ذلك. يقال: أعتبني فلان، أي: أرضاني بعد إسخاطه إيّاي. واستعتبتُه، أي: طلبتُ منه أن يُعْتِب، أي: يَرضى.

قوله تعالى: { وقيَّضْنا لهم قُرنَاءَ } أي: سبَّبنا لهم قرناء من الشياطين { فزيَّنوا لهم ما بين أيديهم وما خَلْفَهم } فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: ما بين أيديهم: من أمر الآخرة أنه لا جنَّة ولا نار ولا بعث ولا حساب، وما خَلْفَهم: من أمر الدنيا، فزيَّنوا لهم اللذّات وجمع الأموال وترك الإنفاق في الخير.

والثاني: ما بين أيديهم: من أمر الدنيا، وما خلفهم: من أمر الآخرة، على عكس الأول.

والثالث: ما بين أيديهم: ما فعلوه، وما خلفهم: ما عزموا على فعله. وباقي الآية [قد] تقدم تفسيره [الإسراء: 16] [الأعراف: 38].