التفاسير

< >
عرض

سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
٤٢
-المائدة

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { سماعون للكذب } قال الحسن: يعني حكام اليهود يسمعون الكذب ممن يكذبُ عندهم في دعواه، ويأتيهم برشوة فيأخذونها. وقال أبو سليمان: هم اليهود يسمعون الكذب، وهو قول بعضهم لبعض: محمد كاذب، وليس بنبي، وليس في التوراة رجم، وهم يعلمون كذبهم.

قوله تعالى: { أكالون للسحت } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي، وأبو جعفر «السُّحُتُ» مضمومة الحاء مثقَّلة. وقرأ نافع، وابن عامر، وعاصم، وحمزة «السُّحْتُ» ساكنة الحاء خفيفة. وروى خارجة بن مصعب عن نافع «أكّالون للسَّحْت» بفتح السين وجزم الحاء. قال أبو علي: السُّحْت والسُّحُتُ لغتان، وهما اسمان للشيء المسحوت، وليسا بالمصدر، فأما من فتح السين، فهو مصدر سحتٍ، فأوقع اسم المصدر على المسحوت، كما أوقع الضرب على المضروب في قولهم: هذا الدرهم ضرب الأمير. وفي المراد بالسحت ثلاثة أقوال.

أحدها: الرِّشوة في الحكم. والثاني: الرشوة في الدين والقولان عن ابن مسعود. والثالث: أنه كل كسب لا يحل، قاله الأخفش.

قوله تعالى: { فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } فيمن أُريد بهذا الكلام قولان.

أحدهما: اليهوديان اللذان زنيا، قاله الحسن، ومجاهد، والسدي.

والثاني: رجلان من قريظة والنضير قتل أحدهما الآخر، قاله قتادة. وقال ابن زيد: كان حيي بن أخطب قد جعل للنضيريّ ديتين، والقرظي دية، لأنه كان من النضير، فقالت قريظة: لا نرضى بحكم حُيي، ونتحاكم إِلى محمد، فقال الله تعالى لنبيه: فإن جاؤوك فاحكم بينهم الآية.

فصل

اختلف علماء التفسير في هذه الآية على قولين.

أحدهما: أنها منسوخة وذلك أن أهل الكتاب كانوا إِذا ترافعوا إِلى النبي صلى الله عليه وسلم كان مخيَّراً، إِن شاء حكم بينهم، وإِن شاء أعرض عنهم، ثم نسخ ذلك بقوله: { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } فلزمه الحكم، وزال التخيير، وهذا مروي عن ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وعكرمة، والسدي.

والثاني: أنها محكمة، وأن الإِمام ونوابه في الحكم مخيّرون إِذا ترافعوا إِليهم، إِن شاؤوا حكموا بينهم، وإِن شاؤوا أعرضوا عنهم، وهذا مروي عن الحسن، والشعبي، والنخعي، والزهري، وبه قال أحمد بن حنبل، وهو الصحيح، لأنه لا تنافي بين الآيتين، لأن إِحداهما: خيَّرت بين الحكم وتركه. والثانية: بينت كيفية الحكم إِذا كان.