التفاسير

< >
عرض

وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ
٦٤
-المائدة

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { وقالت اليهود يدُ الله مغلولة } قال أبو صالح عن ابن عباس: نزلت في فنحاص اليهودي وأصحابه، قالوا: يد الله مغلولة. وقال مقاتل: فنحاص وابن صلوبا، وعازر بن أبي عازر. وفي سبب قولهم هذا ثلاثة أقوال.

أحدها: أن الله تعالى كان قد بسط لهم الرزق، فلما عصوا الله تعالى في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وكفروا به كفَّ عنهم بعض ما كان بسط لهم، فقالوا: يد الله مغلولة، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال عكرمة.

والثاني: أن الله تعالى استقرض منهم كما استقرض من هذه الأمة، فقالوا: إِن الله بخيل، ويده مغلولة فهو يستقرضنا، قاله قتادة.

والثالث: أن النصارى لما أعانوا بختنصر المجوسي على تخريب بيت المقدس، قالت اليهود: لو كان الله صحيحاً، لمنعنا منه، فيده مغلولة، ذكره قتادة أيضاً.

والمغلولة: الممسَكة المنقبضة. وعن ماذا عَنوا أنها ممسكة، فيه قولان.

أحدهما: عن العطاء، قاله ابن عباس، وقتادة، والفراء، وابن قتيبة، والزجاج.

والثاني: ممسكة عن عذابنا، فلا يعذبنا إِلا تحلّة القسم بقدر عبادتنا العجل، قاله الحسن. وفي قوله: { غلت أيديهم } ثلاثة أقوال.

أحدها: غلت في جهنم، قاله الحسن.

والثاني: أُمسكت عن الخير، قاله مقاتل.

والثالث: جُعِلوا بُخلاء، فهم أبخل قوم، قاله الزجاج. قال ابن الأنباري: وهذا خبر أخبر الله تعالى به الخلق أن هذا قد نزل بهم، وموضعه نصب على معنى الحال. تقديره: قالت اليهود هذا في حال حكم الله بغل أيديهم، ولعنته إِياهم، ويجوز أن يكون المعنى: فغلت أيديهم، ويجوز أن يكون دعاء، معناه: تعليم الله لنا كيف ندعو عليهم، كقوله: { { تبّت يدا أبي لهب } [اللهب: 1] وقوله: { { لتدخلن المسجد الحرام إِن شاء الله آمنين } [الفتح: 27].

وفي قوله: { ولعنوا بما قالوا } ثلاثة أقوال.

أحدها: أُبعدوا من رحمة الله.

والثاني: عذبوا في الدنيا بالجزية، وفي الآخرة بالنّار.

والثالث: مُسخوا قردة وخنازير. وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من لعن شيئاً لم يكن للعنه أهلاً رجعت اللعنة على اليهود بلعنة الله إِياهم" قال الزجاج: وقد ذهب قومٌ إِلى أن معنى «يد الله»: نعمته، وهذا خطأ ينقضه { بل يداه مبسوطتان } فيكون المعنى على قولهم: نعمتاه، ونعم الله أكثر من أن تحصى. والمراد بقوله: بل { يداه مبسوطتان }: أنه جواد ينفق كيف يشاء وإِلى نحو هذا ذهب ابن الأنباري. قال ابن عباس: إِن شاء وسَّع في الرزق. وإِن شاء قتَّر.

قوله تعالى: { وليزيدن كثيراً منهم ما أُنزل إِليك من ربك طغياناً وكفراً }.

قال الزجاج: كلما أُنزل عليك شيء كفروا به، فيزيد كفرهم. «والطغيان» هاهنا: الغلو في الكفر. وقال مقاتل: وليزيدن بني النضير ما أُنزل إِليك من ربك من أمر الرجم والدّماء طغياناً وكفراً.

قوله تعالى: { وألقينا بينهم العداوة والبغضاء } فيمن عني بهذا قولان.

أحدهما: اليهود والنصارى، قاله ابن عباس، ومجاهد، ومقاتل. فإن قيل: فأين ذكر النصارى؟ فالجواب: أنه قد تقدم في قوله: { لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء }.

والثاني: أنهم اليهود، قاله قتادة.

قوله تعالى: { كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله } ذِكْر إِيقاد النار مَثَلٌ ضُربَ لاجتهادهم في المحاربة، وقيل: إِن الأصل في استعارة اسم النار للحرب أن القبيلة من العرب كانت إِذا أرادت حرب أُخرى أوقدت النار على رؤوس الجبال، والمواضع المرتفعة، ليعلم استعدادهم للحرب، فيتأهب من يريد إِعانتهم. وقيل: كانوا إِذا تحالفوا على الجدِّ في حربهم، أوقدوا ناراً، وتحالفوا.

وفي معنى الآية قولان.

أحدهما: كلما جمعوا لحرب النبي صلى الله عليه وسلم فرّقهم الله.

والثاني: كلما مكروا مكراً رده الله.

قوله تعالى: { ويسعون في الأرض فساداً } فيه أربعة أقوال.

أحدها: بالمعاصي، قاله ابن عباس، ومقاتل.

والثاني: بمحو ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من كتبهم ودفع الإِسلام، قاله الزجاج.

والثالث: بالكفر.

والرابع: بالظلم، ذكرهما الماوردي.