التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ
١٢١
أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٢٢
-الأنعام

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } سبب نزولها: مجادلة المشركين للمؤمنين في قولهم: أتأكلون مما قتلتم، ولا تأكلون ما قتل الله! على ما ذكرنا في سبب قوله تعالى: { فكلوا مما ذكر اسم الله عليه } [الأنعام: 118] هذا قول ابن عباس. وقال عكرمة: كتبت فارس إلى قريش: إن محمداً وأصحابه لا يأكلون ما ذبحه الله، ويأكلون ما ذبحوا لأنفسهم؛ فكتب المشركون إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فوقع في أنفس ناسٍ من المسلمين من ذلك شيء، فنزلت هذه الآية.

وفي المراد بما لم يذكر اسم الله عليه أربعة أقوال.

أحدها: أنه الميتة، رواه ابن جبير عن ابن عباس.

والثاني: أنه الميتة والمنخنقة، إلى قوله: { وما ذبح على النصب } [المائدة: 3] روي عن ابن عباس.

والثالث: أنها ذبائح كانت العرب تذبحها لأوثانها، قاله عطاء.

والرابع: أنه عام فيما لم يسمَّ الله عند ذبحه، وإلى هذا المعنى ذهب عبد الله ابن يزيد الخطمي، ومحمد بن سيرين.

فصل

فان تعمَّد ترك التسمية، فهل يباح؟ فيه عن أحمد روايتان. وإن تركها ناسياً أُبيحت. وقال الشافعي: لا يحرم في الحالين جميعاً. وقال شيخنا علي بن عبيد الله: فاذا قلنا: إن ترك التسمية عمداً يمنع الإباحة، فقد نُسخ من هذه الآية ذبائح أهل الكتاب بقوله: { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } [المائدة: 5] وعلى قول الشافعي: الآية محكمة.

قوله تعالى: { وإنه لفسق } يعني: وإنَّ أكلَ ما لم يُذكر عليه اسم الله لفسق، أي: خروج عن الحق والدين. وفي المراد بالشياطين هاهنا قولان.

أحدهما: أنهم شياطين الجن، روي عن ابن عباس.

والثاني: قوم من أهل فارس، وقد ذكرناه عن عكرمة؛ فعلى الأول: وحيهم الوسوسة، وعلى الثاني: وحيهم الرسالة. والمراد بـ «أوليائهم»: الكفار الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ترك أكل الميتة. ثم فيهم قولان.

أحدهما: أنهم مشركو قريش. والثاني: اليهود. { وإن أطعمتموهم } في استحلال الميتة، { إنكم لمشركون }.

قوله تعالى: { أو من كان ميتاً فأحييناه } اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال.

أحدها: أنها نزلت في حمزة بن عبد المطلب، وأبي جهل، وذلك أن أبا جهل رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرث، وحمزة لم يؤمن بَعْدُ، فأُخبر حمزةُ بما فعل أبو جهل، فأقبل حتى علا أبا جهل بالقوس، فقال له: أما ترى ما جاء به؟ سفَّه عقولنا، وسبَّ آلهتنا، فقال حمزة: ومن أسفهُ منكم؟ تعبدون الحجارة من دون الله؟ أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، فنزلت هذه الآية، هذا قول ابن عباس.

والثاني: أنها نزلت في عمار بن ياسر، وأبي جهل، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال عكرمة.

والثالث: في عمر بن الخطاب، وأبي جهل، قاله زيد بن أسلم، والضحاك.

والرابع: في النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي جهل، قاله مقاتل.

والخامس: أنها عامة في كل مؤمن وكافر، قاله الحسن في آخرين.

وفي قوله: { كان ميتاً فأحييناه } قولان.

أحدهما: كان ضالاً فهديناه، قاله مجاهد.

والثاني: كان جاهلاً، فعلَّمناه، قاله الماوردي. وقرأ نافع: «ميّتاً» بالتشديد.

قال أبو عبيدة: الميتة، مخففة: من ميّتة، والمعنى واحد. وفي «النور » ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه الهدى، قاله ابن عباس. والثاني: القرآن، قاله الحسن. والثالث: العلم. وفي قوله: { يمشي به في الناس } ثلاثة أقوال.

أحدها: يهتدي به في الناس، قاله مقاتل. والثاني: يمشي به بين الناس إلى الجنة. والثالث: ينشر به دينه في الناس، فيصير كالماشي، ذكرهما الماوردي.

قوله تعالى: { كمن مثله } المثل: صلة؛ والمعنى: كمن هو في الظلمات.

وقيل: المعنى: كمن لو شُبّه بشيء، كان شبيهُه مَنْ في الظلمات. وقيل: المراد بالظلمات هاهنا: الكفر.

قوله تعالى: { وكذلك زين } أي: كما بقي هذا في ظلماته لا يتخلص منها، كذلك زين { للكافرين ما كانوا يعملون } من الشرك والمعاصي.