التفاسير

< >
عرض

فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٦٩
-الأعراف

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { فخلف من بعدهم } أي: من بعد الذين وصفناهم { خَلْفٌ } وقرأ الجوني، والجحدري: «خَلَفٌ» بفتح اللام. قال أبو عبيدة: الخَلَفُ والخَلَفُ واحد، وقوم يجعلون المحرَّك اللام، للصالح، والمسكَّن لغير الصالح. وقال ابن قتيبة: الخَلْفُ: الرديء من الناس ومن الكلام، يقال: هذا خَلْفٌ من القول. وقال ابن الأنباري: أكثر ما تستعمل العرب الخَلْفَ، باسكان اللام، في الرديء المذموم. وتفتح اللام في الفاضل الممدوح. وقد يوقع الخَلْفُ على الممدوح، والخلَفُ على المذموم، غير أن المختار ما ذكرناه. وفي المراد بهذا الخَلْف ثلاثة أقوال.

أحدها: أنهم اليهود، قاله ابن عباس، وابن زيد.

والثاني: النصارى.

والثالث: أن الخَلْفَ من أُمة محمد صلى الله عليه وسلم، والقولان عن مجاهد.

فان قيل: الخَلْفُ واحد، فكيف قال: «يأخذون» وكذلك قال في [مريم: 59] «أضاعوا» فقد ذكر ابن الأنباري عنه جوابين.

أحدهما: أن الخَلْف: جمع خالف، كما أن الركب: جمع راكب، والشَّرْب: جمع شارب.

والثاني: أن الخَلْف مصدر يكون للاثنين والجميع، والمذكر والمؤنث.

قوله تعالى: { ورثوا الكتاب } أي: انتقل إليهم انتقال الميراث من سلف إلى خلف، فيخرج في الكتاب ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه التوراة. والثاني: الإنجيل. والثالث: القرآن.

قوله تعالى: { يأخذون عرض هذا الأدنى } أي: هذه الدنيا، وهو ما يعرض لهم منها. وقيل: سماه عرضاً، لقلة بقائه. قال ابن عباس: يأخذون ما أحبوا من حلال أو حرام. وقيل: هو الرِّشوة في الحكم. وفي وصفه بالأدنى قولان.

أحدهما: أنه من الدُّنُوِّ. والثاني: أنه من الدناءة.

قوله تعالى: { سيُغفَرُ لنا } فيه قولان.

أحدهما: أن المعنى: إنا لا نؤاخَذ، تمنِّياً على الله الباطلَ.

والثاني: أنه ذنْب يغفره الله لنا، تأميلاً لرحمة الله تعالى.

وفي قوله: { وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه } قولان.

أحدهما: أن المعنى: لا يشبعهم شيء، فهم يأخذون لغير حاجة، قاله الحسن.

والثاني: أنهم أهل إصرار على الذنوب، قاله مجاهد.

قوله تعالى: { ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق } قال ابن عباس: وكّد الله عليهم في التوراة أن لا يقولوا على الله إلا الحق، فقالوا الباطل، وهو ما أوجبوا على الله من مغفرة ذنوبهم التي لا يتوبون منها، وليس في التوراة ميعاد المغفرة مع الإصرار.

قوله تعالى: { ودرسوا ما فيه } معطوف على «ورثوا». ومعنى «درسوا ما فيه»: قرؤوه، فكأنه قال: خالفوا على علم. { والدار الآخرة } أي: ما فيها من الثواب { خير للذين يتقون أفلا يعقلون } أن الباقي خير من الفاني. قرأ ابن عامر، ونافع، وحفص عن عاصم: بالتاء، والباقون: بالياء.