قوله تعالى: { وَإذْ زَيَّنَ لهم الشيطانُ أعمالَهم } قال عروة بن الزبير: لما أجمعت قريش المسير إلى بدر، ذكروا ما بينهم وبين كنانة من الحرب، فتبدَّى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك المدلجيّ، وكان من اشراف بني كنانة، فقال لهم: { لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جارٌ لكم } من أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه، فخرجوا سراعاً. وفي المراد بأعمالهم هاهنا ثلاثة أقوال.
أحدها: شركهم. والثاني: مسيرهم إلى بدر. والثالث: قتالهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: { فلما تراءت الفئتان } أي: صارتا بحيث رأت إحداهما الأخرى.
وفي المراد بالفئتين قولان.
أحدهما: فئة المسلمين، وفئة المشركين، وهو قول الجمهور.
والثاني: فئة المسلمين، وفئة الملائكة، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: { نكص على عقبيه } قال أبو عبيدة: رجع من حيث جاء. وقال ابن قتيبة: رجع القهقري. قال ابن السائب: كان إبليس في صف المشركين على صورة سراقة، آخذاً بيد الحارث بن هشام، فرأى الملائكة فنكص على عقبيه، فقال له الحارث: أفراراً من غير قتال؟ فقال: { إني أرى مالا ترون }؛ فلما هُزم المشركون، قالوا: هَزَمَ الناسَ سراقةُ، فبلغه ذلك، فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم. قال قتادة: صدق عدو الله في قوله: { إني أرى مالا ترون }، ذُكر لنا أنه رأى جبريل ومعه الملائكة، فعلم أنه لا يد له بالملائكة، وكذب عدو الله في قوله: { إني أخاف الله }، والله ما به مخافة الله، ولكن علم أنه لا قوَّة له بهم. وقال عطاء: معناه: إني أخاف الله أن يهلكني. وقال ابن الانباري: لما رأى نزول الملائكة، خاف أن تكون القيامة، فيكون انتهاء إنظاره، فيقع به العذاب. ومعنى { نكص }: رجع هارباً بخزي وذلّ. واختلفوا في قوله: { والله شديد العقاب } هل هو ابتداء كلام، أو تمام الحكاية عن إبليس، على قولين.