التفاسير

< >
عرض

مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٦٧
-الأنفال

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { ما كان لنبيٍّ أن تكون له أسرى حتى يُثْخِنَ في الأرض } روى مسلم في أفراده من حديث عمر بن الخطاب قال: " لما هزم الله المشركين يوم بدر، وقُتل منهم سبعون وأُسِرَ منهم سبعون، استشار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعلياً، فقال أبو بكر: يا نبي الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والاخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوَّةً لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضداً. فقال رسول الله: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكنني من فلان، قريبٌ لعمر، فأضرب عنقه، وتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من أخيه فلان فيضرِبَ عنقه، حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم. فَهِويَ رسول الله ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قلت، فأخذ منهم الفداء. فلما كان من الغد، غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاذا هو قاعد وأبو بكر الصديق وهما يبكيان. فقلت: يا رسول الله أخبرني، ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فان وجدت بكاءً بكَيت، وإن لم أجد بكاءً تباكيت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبكي للذي عرض عليَّ أصحابُك من الفداء. لقد عُرض عليَّ عذابكم أدنى من هذه الشجرةلشجرة قريبة، فأنزل الله { ما كان لنبي أن يكون له أسرى } إلى قوله { عظيم }.

وروي عن ابن عمر قال: لما أشار عمر بقتلهم، وفاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنزل الله تعالى { ما كان لنبي } إلى قوله { حلالاً طيباً } فلقي النبي صلى الله عليه وسلم عمر، فقال: كاد يصيبنا في خلافك بلاء" . فأما الأسرى، فهو جمع أسير، وقد ذكرناه في [البقرة: 85]. والجمهور قرؤوا «أن يكون» بالياء، لأن الاسراء مذكَّرون. وقرأ أبو عمرو: «أن تكون»، قال أبو علي: أنَّثَ على لفظ الأسرى، لأن الأسرى وإن كان المراد به التذكير والرجال فهو مؤنَّث اللفظ. والأكثرون قرؤوا: «أسرى» وكذلك { لمن في أيديكم من الأسرى }. قرأ أبو جعفر، والمفضل: «أُسارى» في الموضعين، ووافقهما أبو عمرو، وأبان في الثاني. قال الزجاج: والإثخان في كل شيء: قُوَّة الشيء وشِدَّته. يقال: قد أثخنه المرض: إذا اشتدت قُوَّته عليه. والمعنى: حتى يبالغ في قتل أعدائه. ويجوز أن يكون المعنى: حتى يتمكن في الأرض. قال المفسرون: معنى الآية: ما كان لنبي أن يحبس كافراً قدر عليه للفداء أو المن قبل الإثخان في الارض. وكانت غزاة بدر أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن قد أثخن في الأرض بعد.

{ تريدون عرض الدنيا } وهو المال، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد فادوا يومئذ بأربعة آلاف أربعة آلاف. وفي قوله: { والله يريد الآخرة } قولان.

أحدهما: يريد لكم الجنة، قاله ابن عباس.

والثاني: يريد العمل بما يوجب ثواب الآخرة، ذكره الماوردي.

فصل

وقد روي عن ابن عباس، و مجاهد في آخرين: أن هذه الآية منسوخة بقوله: { { فاما منَّاً بعدُ وإِمَّا فداءً } [محمد: 4]، وليس للنسخ وجه، لأن غزاة بدر كانت وفي المسلمين قِلَّةٌ، فلما كثروا واشتدَّ سلطانُهم، نزلت الآية الأخرى، ويبيِّن هذا قولُه: { حتى يثخن في الأرض }.