التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٣٤
-التوبة

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { إن كثيراً من الأحبار } الأحبار من اليهود، والرهبان من النصارى. وفي الباطل أربعة أقوال.

أحدها: أنه الظلم، قاله ابن عباس. والثاني: الرشا في الحكم، قاله الحسن. والثالث: الكذب، قاله أبو سليمان. والرابع: أخذه من الجهة المحظورة، قاله القاضي أبو يعلى. والمراد: أخذ الأموال، وإنما ذكر الأكل، لأنه معظم المقصود من المال. وفي المراد بسبيل الله هاهنا قولان.

أحدهما: الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس، والسدي.

والثاني: أنه الحق والحكم.

قوله تعالى: { والذين يكنزون الذهب والفضة } اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها نزلت عامّة في أهل الكتاب والمسلمين، قاله أبو ذر، والضحاك.

والثاني: أنها خاصَّة في أهل الكتاب، قاله معاوية بن أبي سفيان.

والثالث: أنها في المسلمين، قاله ابن عباس، والسدي.

وفي الكنز المستحقّ عليه هذا الوعيد ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه مالم تؤدَّ زكاته. قال ابن عمر: كل مال أُدِّيتْ زكاتُه وإن كان تحت سبع أرضين فليس بكنز، وكل مال لا تؤدَّى زكاته فهو كنز وإن كان ظاهراً على وجه الأرض، وإلى هذا المعنى: ذهب الجمهور. فعلى هذا، معنى الإنفاق: إخراج الزكاة.

والثاني: أنه ما زاد على أربعة آلاف، روي عن علي بن أبي طالب أنه: قال أربعة آلاف نفقة، وما فوقها كنز.

والثالث: ما فضل عن الحاجة، وكان يجب عليهم إخراج ذلك في أول الإسلام ثم نُسخ بالزكاة.

فان قيل: كيف قال { ينفقونها } وقد ذكر شيئين؟ فعنه جوابان.

أحدهما: أن المعنى: يرجع إلى الكنوز والأموال.

والثاني: أنه يرجع إلى الفضة، وحذُف الذهب. لأنه داخل في الفضة، قال الشاعر:

نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضٍ والرأي مختلفُ

يريد: نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راضٍ، ذكر القولين الزجاج.

وقال الفراء: إن شئت اكتفيت بأحد المذكورين، كقوله: { { ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً } [النساء: 112] وقوله: { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضَّوا إليها } [الجمعة: 11]، وأنشد:

إني ضمنت لمن أتاني ما جَنَى وأبى وكان وكنت غير غَدورِ

ولم يقل: غدورين، وإنما اكتفى بالواحد لاتفاق المعنى. قال أبو عبيدة: والعرب إذا أشركوا بين اثنين قصروا، فخبَّروا عن أحدهما استغناء بذلك، وتحقيقاً؛ لمعرفة السامع بأن الآخر قد شاركه، ودخل معه في ذلك الخبر، وأنشد:

فمن يك أمسى بالمدينة رحْلُهُ فاني وقيَّارٌ بها لغريب

والنصب في: «قيار» أجود، وقد يكون الرفع. وقال حسان بن ثابت:

إنَّ شرخَ الشبابِ والشَّعَرَ الأســ ـودَ مالم يُعَاصَ كان جُنُونا

ولم يقل: يعاصيا.