التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ
١٣
ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ
١٤
وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
١٥
-يونس

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ } يا أهل مكة { لَمَّا ظَلَمُواْ } أشركوا وهو ظرف { أهلكنا } والواو في { وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم } للحال أي ظلموا بالتكذيب وقد جاءتهم رسلهم { بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } بالمعجزات { وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ } إن بقوا ولم يهلكوا لأن الله علم منهم أنهم يصرون على كفرهم، وهو عطف على { ظلموا } أو اعتراض، واللام لتأكيد النفي يعني أن السبب في إِهلاكهم تكذيبهم للرسل، وعلم الله أنه لا فائدة في إمهالهم بعد أن ألزموا الحجة ببعثة الرسل { كَذٰلِكَ } مثل ذلك الجزاء يعني الإهلاك { نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } وهو وعيد لأهل مكة على إجرامهم بتكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم { ثُمَّ جَعَلْنَـٰكُمْ خَلَـٰئِفَ فِى ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم } الخطاب للذين بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم أي استخلفناكم في الأرض بعد القرون التي أهلكناها { لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } أي لننظر أتعملون خيراً أو شراً فنعاملكم على حسب عملكم. و{ كيف } في محل النصب بـ { تعملون } لا بـ { ننظر }، لأن معنى الاستفهام فيه يمنع أن يتقدم عليه عامله، والمعنى أنتم بمنظر منا فانظروا كيف تعملون، أبالاعتبار بماضيكم أم الاغترار بما فيكم؟ قال عليه السلام: "الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون" {

وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُنَا بَيّنَاتٍ } حال { قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا } لما غاظهم ما في القرآن من ذم عبادة الأوثان والوعيد لأهل الطغيان { ٱئْتِ بِقُرْءانٍ غَيْرِ هَـٰذَا } ليس فيه ما يغيظنا من ذلك نتبعك { أَوْ بَدّلْهُ } بأن تجعل مكان آية عذاب آية رحمة وتسقط ذكر الآلهة وذم عبادتها، فأمر بأن يجيب عن التبديل لأنه داخل تحت قدرة الإنسان وهو أن يضع مكان آية عذاب آية رحمة وأن يسقط ذكر الآلهة بقوله: { قُلْ مَا يَكُونُ لِي } ما يحل لي { أَنْ أُبَدّلَهُ مِن تِلْقَائي نَفْسِي } من قبل نفسي { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ } لا أتبع إلا وحي الله من غير زيادة ولا نقصان ولا تبديل، لأن الذي أتيت به من عند الله لا من عندي فأبدله { إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى } بالتبديل من عند نفسي { عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } أي يوم القيامة. وأما الإتيان بقرآن آخر فلا يقدر عليه الإنسان، وقد ظهر لهم العجز عنه إلا أنهم كانوا لا يعترفون بالعجز ويقولون لو نشاء لقلنا مثل هذا. ولا يحتمل أن يريدوا بقوله { أئت بقرآن غير هذا أو بدله } من جهة الوحي لقوله: { إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم } وغرضهم في هذا الاقتراح الكيد، أما اقتراح إبدال قرآن بقرآن ففيه أنه من عندك وأنك قادر على مثله فأبدل مكانه آخر، وأما اقتراح التبديل فلاختبار الحال، وأنه إن وجد منه تبديل فإما أن يهلكه الله فينجوا منه أولا يهلكه فيسخروا منه، فيجعلوا التبديل حجة عليه وتصحيحاً لإفترائه على الله