التفاسير

< >
عرض

وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ
٢٣
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ
٢٤
-يوسف

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ } أي طلبت يوسف أن يواقعها والمراودة مفاعلة من راد يرود إذا جاء وذهب كأن المعنى خادعته عن نفسه أي فعلت فعل المخادع لصاحبه عن الشيء الذي لا يريد أن يخرجه من يده يحتال أن يغلبه عليه ويأخذه منه، وهي عبارة عن التحمل لمواقعته إياها { وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ } وكانت سبعة { وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } هو اسم لتعال وأقبل وهو مبني على الفتح { هيتُ } مكي بناه على الضم، { هِيتَ } مدني وشامي واللام للبيان كأنه قيل لك أقول هذا كما تقول هلم لك { قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ } أعوذ بالله معاذاً { إنَّهُ } أي إن الشأن والحديث { رَبّي } سيدي ومالكي يريد قطفير { أَحْسَنَ مَثْوَايَّ } حين قال لك { أكرمي مثواه } فما جزاؤه أن إخوته في أهله { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } الخائبون أو الزناة، أو أراد بقوله { إنه ربي } الله تعالى لأنه مسبب الأسباب { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } هم عزم { وَهَمَّ بِهَا } هم الطباع مع الامتناع قاله الحسن. وقال الشيخ أبو منصوررحمه الله : وهم بها هم خطرة ولا صنع للعبد فيما يخطر بالقلب ولا مؤاخذة عليه، ولو كان همه كهمها لما مدحه الله تعالى بأنه من عباده المخلصين. وقيل: همَّ بها وشارف أن يهم بها، يقال: هم بالأمر إذا قصده وعزم عليه. وجواب { لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ } محذوف أي لكان ما كان. وقيل: { وهمّ بها } جوابه ولا يصح، لأن جواب « لولا» لا يتقدم عليها لأنه في حكم الشرط وله صدر الكلام والبرهان الحجة. ويجوز أن يكون { وهم بها } داخلاً في حكم القسم في قوله { ولقد همت به } ويجوز أن يكون خارجاً. ومن حق القارىء إذا قدر خروجه من حكم القسم وجعله كلاماً برأسه أن يقف على { به } ويبتدىء بقوله { وهم بها } وفيه أيضاً إشعار بالفرق بين الهمين. وفسر همَّ يوسف بأنه حل تكة سراويله وقعد بين شعبها الأربع وهي مستلقية على قفاها، وفسر البرهان بأنه سمع صوتاً إياك وإياها مرتين فسمع ثالثاً أعرض عنها فلم ينجع فيه حتى مثل له يعقوب عاضاً على أنملته، وهو باطل، ويدل على بطلانه قوله { هي روادتني عن نفسي } ولو كان ذلك منه أيضاً لما برأ نفسه من ذلك، وقوله { كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء } ولو كان كذلك لم يكن السوء مصروفاً عنه وقوله { ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب } ولو كان كذلك لخانه بالغيب، وقوله { مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوء } { الآن حصص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين } ولأنه لو وجد منه ذلك لذكرت توبته واستغفاره كما كان لآدم ونوح وذي النون وداود عليهم السلام، وقد سماه الله مخلصاً فعلم بالقطع أنه ثبت في ذلك المقام وجاهد نفسه مجاهدة أولي العزم ناظراً في دلائل التحريم حتى استحق من الله الثناء. ومحل الكاف في { كَذٰلِكَ } نصب أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه، أو رفع أي الأمر مثل ذلك { لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوء } خيانة السيد

{ وَٱلْفَحْشَاء } الزنا { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } بفتح اللام حيث كان: مدني وكوفي أي الذين أخلصهم الله لطاعته، وبكسرها غيرهم أي الذين أخلصوا دينهم لله. ومعنى { من عبادنا } بعض عبادنا أي هومخلص من جملة المخلصين.