التفاسير

< >
عرض

وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً
٨٢
وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَئُوساً
٨٣
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً
٨٤
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً
٨٥
-الإسراء

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ وَنُنَزّلُ } وبالتخفيف: أبو عمرو { مِن القرآن } «من» للتبيين { مَا هُوَ شِفَاء } من أمراض القلوب { وَرَحْمَةً } وتفريج للكروب وتطهير للعيوب وتكفير للذنوب { لِلْمُؤْمِنِينَ } وفي الحديث: "من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله" { وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ } الكافرين { إَلاَّ خَسَارًا } ضلالاً لتكذيبهم به وكفرهم { وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَـٰنِ } بالصحة والسعة { أَعْرَضَ } عن ذكر الله أو أنعمنا بالقرآن أعرض { وَنَأَى بِجَانِبِهِ } تأكيد للإعراض لأن الإعراض عن الشيء أن يوليه عرض وجهه والنأي بالجانب أي يلوي عنه عطفه ويوليه ظهره، أو أراد الاستكبار لأن ذلك من عادة المستكبرين { نأى } بالأمالة: حمزة وبكسرها عليَّ { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ } الفقر والمرض أو نازلة من النوازل { كَانَ يَئُوساً } شديد اليأس من روح الله { قُلْ كُلٌّ } أي كل أحد { يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ } على مذهبه وطريقته التي تشاكل حاله في الهدى والضلال { فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً } أسد مذهباً وطريقة.

{ وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّى } أي من أمر يعلمه ربي، الجمهور على أنه الروح الذي في الحيوان، سألوه عن حقيقته فأخبر أنه من أمر الله أي مما استأثر بعلمه. وعن أبي هريرة: لقد مضى النبي صلى الله عليه وسلم وما يعلم الروح، وقد عجزت الأوائل عن إدراك ماهيته بعد إنفاق الأعمار الطويلة على الخوض فيه. والحكمة في ذلك تعجيز العقل عن إدراك معرفة مخلوق مجاور له ليدل على أنه عن إدراك خالقه أعجز، ولذا رد ما قيل في حده أنه جسم دقيق هوائي في كل جزء من الحيوان. وقيل: هو خلق عظيم روحاني أعظم من الملك. وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو جبريل عليه السلام: { نزل به الروح الأمين على قلبك } [الشعراء: 193] وعن الحسن: القرآن دليله: { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } [الشورى:52] ولأن به حياة القلوب و{ من أمر ربي } أي من وحيه وكلامه ليس من كلام البشر. ورُوي أن اليهود بعثت إلى قريش أن سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح، فإن أجاب عن الكل أو سكت عن الكل فليس بنبي، وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي، فبين لهم القصتين وأبهم أمر الروح وهو مبهم في التوراة فندموا على سؤالهم. وقيل: كان السؤال عن خلق الروح يعني أهو مخلوق أم لا. وقوله: { من أمر ربي } دليل خلق الروح فكان هذا جواباً { وَمَا أُوتِيتُم مّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } الخطاب عام

فقد رُويَّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال لهم ذلك قالوا: نحن مختصون بهذا الخطاب أم أنت معنا فيه فقال: "بل نحن وأنتم لم نؤت من العلم إلا قليلاً" وقيل: هو خطاب لليهود خاصة لأنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: قد أوتينا التوراة وفيها الحكمة وقد تلوت { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا } [البقرة: 269] فقيل لهم: إن علم التوراة قليل في جنب علم الله. فالقلة والكثرة من الأمور الإضافية، فالحكمة التي أوتيها العبد خير كثير في نفسها إلا أنها إذا أضيفت إلى علم الله تعالى فهي قليلة. ثم نبه على نعمة الوحي وعزاه بالصبر على أذى الجدال في السؤال بقوله: