التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ
١٢١
يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ
١٢٢
وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ
١٢٣
وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ
١٢٤
-البقرة

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ ٱلَّذِينَ } مبتدأ { ءَاتَيْنَٰهُمْٱلْكِتَـٰبَ } صلته وهم مؤمنو أهل الكتاب وهو التوراة والإنجيل، أو أصحاب النبي عليه السلام والكتاب القرآن. { يَتْلُونَهُ } حال مقدرة من «هم» لأنهم لم يكونوا تالين له وقت إيتائه، ونصب على المصدر. { حَقَّ تِلاَوَتِهِ } أي يقرأونه حق قراءته في الترتيل وأداء الحروف والتدبر والتفكر، أو يعملون به ويؤمنون بما فيه مضمونه ولا يغيرون ما فيه من نعت النبي صلى الله عليه وسلم. { أُوْلَـٰئِكَ } مبتدأ خبره { يُؤْمِنُونَ بِهِ } والجملة خبر «الذين» ويجوز أن يكون «يتلونه» خبراً، والجملة خبر آخر. { وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } حيث اشتروا الضلالة بالهدى { يَـٰبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } أي أنعمتها عليكم { وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } وتفضيلي إياكم على عالمي زمانكم { وَٱتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَـٰعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } «هم» رفع بالابتداء والخبر «ينصرون». والجمل الأربع وصف لـ «يوماً» أي واتقوا يوماً لا تجزى فيه ولا يقبل فيه ولا تنفعها فيه ولا هم ينصرون فيه. وتكرير هاتين الآيتين لتكرار المعاصي منهم، وختم قصة بني إسرائيل بما بدأ به.

{ وَإِذْ } أي واذكر إذ { ٱبْتَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـٰتٍ } اختبره بأوامر ونواه. والاختبار منا لظهور ما لم نعلم، ومن الله لإظهار ما قد علم، وعاقبة الابتلاء ظهور الأمر الخفي في الشاهد والغائب جميعاً فلذا تجوز إضافته إلى الله تعالى. وقيل: اختبار الله عبده مجاز عن تمكينه من اختيار أحد الأمرين ما يريد الله تعالى وما يشتهيه العبد كأنه يمتحنه ما يكون منه حتى يجازيه على حسب ذلك. وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه: «إبراهيمُ ربه»، يرفع إبراهيم وهي قراءة ابن عباس رضي الله عنهما، أي دعاه بكلمات من الدعاء فعل المختبر هل يجيبه إليهن أم لا. { فَأَتَمَّهُنَّ } أي قام بهن حق القيام وأدّاهن أحسن التأدية من غير تفريط وتوانٍ ونحوه { وَإِبْرٰهِيمَ ٱلَّذِى وَفَّىٰ } [النجم: 37] ومعناه في قراءة أبي حنيفةرحمه الله فأعطاه ما طلبه لم ينقص منه شيئاً. والكلمات على هذا ما سأل إبراهيم ربه في قوله: { رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا } [البقرة: 126]. { وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } [البقرة: 128]. { وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ } [البقرة: 129]. { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا } [البقرة: 127]. والكلمات على القراءة المشهورة خمس في الرأس: الفرق وقص الشارب والسواك والمضمضة والاستنشاق. وخمس في الجسد: الختان وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والاستنجاء. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هي ثلاثون سهماً من الشرائع: عشر في براءة { ٱلتَّـٰئِبُونَ } [الآية: 12]، الآية وعشر في الأحزاب { { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ } [الأحزاب:35] الآية، وعشر في «المؤمنين» و«المعارج» إلى قوله { يُحَافِظُونَ } وقيل: هي مناسك الحج { قَالَ إِنّى جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } هو اسم من يؤتم به أي يأتمون بك في دينهم. { قَالَ وَمِن ذُرّيَّتِى } أي واجعل من ذريتي إماماً يقتدى به. ذرية الرجل أولاده ذكورهم وإناثهم فيه سواء. فعيلة من الذرء أي الخلق فأبدلت الهمزة ياء. { قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّـٰلِمِينَ } بسكون الياء: حمزة وحفص أي لا تصيب الإمامة أهل الظلم من ولدك أي أهل الكفر. أخبر أن إمامة المسلمين لا تثبت لأهل الكفر وأن من أولاده المسلمين والكافرين قال الله تعالى: { وَبَـٰرَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَـٰقَ وَمِن ذُرّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَـٰلِمٌ لّنَفْسِهِ مُبِينٌ } [الصافات: 113]. والمحسن المؤمن والظالم الكافر. قالت المعتزلة: هذا دليل على أن الفاسق ليس بأهل للإمامة قالوا: وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة والإمام إنما هو لكف الظلمة فإذا نصب من كان ظالماً في نفسه فقد جـاء المثل السائر «من استرعى الذئب ظلم». ولكنا نقول: المراد بالظالم الكافر هنا إذ هو الظالم المطلق. وقيل: إنه سأل أن يكون ولده نبياً كما كان هو فأخبر أن الظالم لا يكون نبيا.