التفاسير

< >
عرض

قَالَ رَبِّ ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ
٤١
وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ
٤٢
يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ
٤٣
ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ
٤٤
إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ
٤٥
وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ
٤٦
قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
٤٧
وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ
٤٨
وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وٱلأَبْرَصَ وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
٤٩
وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ
٥٠
إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ
٥١
فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
٥٢
رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتَ وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ
٥٣
وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ
٥٤
إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
٥٥
فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٥٦
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ
٥٧
-آل عمران

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِّي } «لِي» مدني وأبو عمرو { ءَايَةً } علامة أعرف بها الحبل لأتلقى النعمة بالشكر إذا جاءت { قَالَ آيتُكَ ألاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ } أي لا تقدر على تكليم الناس { ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا } إلا إشارة بيد أو رأس أوعين أو حاجب وأصله التحرك، يقال ارتمز إذا تحرك. واستثنى الرمز وهو ليس من جنس الكلام لأنه لما أدّى مؤدّى الكلام وفهم منه ما يفهم منه سمي كلاماً، أو هو استثناء منقطع. وإنما خص تكليم الناس ليعلم أنه يحبس لسانه عن القدرة عن تكليمهم خاصة مع إبقاء قدرته على التكلم بذكر الله ولذا قال { وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبّحْ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإبْكَـٰرِ } أي في أيام عجزك عن تكليم الناس وهي من الآيات الباهرة والأدلة الظاهرة، وإنما حبس لسانه عن كلام الناس ليخلص المدة لذكر الله لا يشغل لسانه بغيره كأنه لما طلب الآية من أجل الشكر قيل له: آيتك أن تحبس لسانك إلا عن الشكر، وأحسن الجواب ما كان منتزعاً من السؤال. والعشي من حين الزوال إلى الغروب، والإبكار من طلوع الفجر إلى وقت الضحى.

{ وَإِذْ } عطف على «إذ قالت امرأة عمران» أو التقدير واذكر إذا { قَالَتِ ٱلْمَلَـئِكَةُ يٰمَرْيَمُ } روي أنهم كلموها شفاها { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ } أولاً حين تقبلك من أمك ورباك واختصك بالكرامة السنية { وَطَهَّرَكِ } مما يستقذر من الأفعال { وَٱصْطَفَـٰكِ } آخراً { عَلَىٰ نِسَاء ٱلْعَـٰلَمِينَ } بأن وهب لك عيسى من غير أب ولم يكن ذلك لأحد من النساء { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ } أديمي الطاعة أو أطيلي قيام الصلاة { وَٱسْجُدِي } وقيل: أمرت بالصلاة بذكر القنوت والسجود لكونهما من هيئات الصلاة، ثم قيل لها { وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلركِعِينَ } أي ولتكن صلاتك مع المصلين أي في الجماعة، أو وانظمي نفسك في جملة المصلين وكوني في عدادهم ولا تكوني في عداد غيرهم { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما سبق من قصة حنة وزكريا ويحيـى ومريم { مِنْ أَنبَاءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ } يعني أن ذلك من الغيوب التي لم تعرفها إلا بالوحي { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلَـٰمَهُمْ } أزلامهم وهي قداحهم التي طرحوها في النهر مقترعين، أو هي الأقلام التي كانوا يكتبون التوراة بها اختاروها للقرعة تبركاً بها { أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } متعلق بمحذوف دل عليه «يلقون» كأنه قيل: يلقونها ينظرون أيهم يَكفل مريم أو ليعلموا أو يقولون { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } في شأنها تنافساً في التكفل بها { إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } أي اذكر { يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ } أي بعيسى { مِّنْهُ } في موضع جر صفة لكلمة { ٱسْمُهُ } مبتدأ وذكر ضمير الكلمة لأن المسمى بها مذكر { ٱلْمَسِيحُ } خبره والجملة في موضع جر صفة لـ «كلمة». والمسيح لقب من الألقاب المشرفة كالصديق والفاروق وأصله «مشيحاً» بالعبرانية ومعناه المبارك كقوله: { وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَمَا كُنتُ } [مريم: 31]. وقيل: سمي مسيحاً لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برأ، أو لأنه كان يمسح الأرض بالسياحة لا يستوطن مكاناً { عِيسَى } بدل من المسيح { ٱبْنَ مَرْيَمَ } خبر مبتدأ محذوف أي هو ابن مريم، ولا يجوز أن يكون صفة لعيسى لأن اسمه عيسى فحسب وليس اسمه عيسى ابن مريم. وإنما قال «ابن مريم» إعلاماً لها أنه يولد من غير أب فلا ينسب إلا إلى أمه «وَجِيهاً» ذا جاه وقدر «في الدُّنيا» بالنبوة والطاعة { وَٱلآخِرَةِ } بعلو الدرجة والشفاعة { وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } برفعه إلى السماء، وقوله «وجيهاً» حال من «كلمة» لكونها موصوفة وكذا «ومن المقربين» أي وثابتاً من المقربين، وكذا «ويكَلِّمُ النّاسَ» أي ومكلماً الناس في المهد حال من الضمير في «يكلم» أي ثابتاً في المهد وهو ما يمهد للصبي من مضجعه سمي بالمصدر { وَكَهْلاً } عطف عليه أي ويكلم الناس طفلاً وكهلاً أي يكلم الناس في هاتين الحالتين كلام الأنبياء من غير تفاوت بين حال الطفولة وحالة الكهولة التي يستحكم فيها العقل ويستنبأ فيها الأنبياء { وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } حال أيضاً والتقدير يبشرك به موصوفاً بهذه الصفات.

{ قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذٰلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يقول له كن فيكون } أي إذا قدر تكون شيء كونه من غير تأخير لكنه عبر بقوله «كن» إخباراً عن سرعة تكون الأشياء بتكوينه { وَيُعَلِّمُهُ } مدني وعاصم وموضعه حال معطوفة على «وجيهاً». الباقون: بالنون على أنه كلام مبتدأ { الكتابَ } أي الكتابة وكان أحسن الناس خطاً في زمانه. وقيل: كتب الله { والحكمَةَ } بيان الحلال والحرام أو الكتاب الخط باليد. والحكمة: البيان باللسان { وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنجِيلَ * وَرَسُولاً } أي ونجعله رسولاً أو يكون في موضع الحال أي وجيهاً في الدنيا والآخرة ورسولاً { إِلَىٰ بَنِي إِسْرٰءِيلَ أَنّي } بأني { قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رَّبّكُمْ } بدلالة تدل على صدقي فيما أدعيه من النبوة { أَنِي أَخْلُقُ لَكُمْ } نصب بدل من «أني قد جئتكم» أو جر بدل من «آية» أو رفع على «هي أني أخلق لكم». «ِإنِّيَ»: نافع على الاستئناف { مِّنَ ٱلطّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ } أي أقدر لكم شيئاً مثل صورة الطير { فَأَنفُخُ فِيهِ } الضمير للكاف أي في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير { فَيَكُونُ طَيْرًا } فيصير طيراً كسائر الطيور. «طائراً»: مدني { بِإِذُنِ ٱللَّهِ } بأمره. قيل: لم يخلق شيئاً غير الخفاش { وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ } الذي ولد أعمى { وٱلأَبْرَصَ وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } كرر «بإذن الله» دفعاً لو هم من يتوهم فيه اللاهوتية. روي أنه أحيا سام بن نوح عليه السلام وهم ينظرون إليه فقالوا: هذا سحر مبين فأرنا آية فقال: يا فلان أكلت كذا ويا فلان خبىء لك كذا وهو قوله { وَأُنَبّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ } و«ما» فيهما بمعنى «الذي»، أو مصدرية { إِنَّ فِي ذَلِكَ } فيما سبق { لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ } أي قد جئتكم بآية وجئتكم مصدقاً { وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } رد على قوله «بآية من ربكم» أي جئتكم بآية من ربكم ولأحل لكم. وما حرم الله عليهم في شريعة موسى عليه السلام الشحوم ولحوم الإبل والسمك وكل ذي ظفر فأحل لهم عيسى بعض ذلك { وَجِئْتُكُمْ بِأَيَةٍ مّن رَّبّكُمْ } كرر للتأكيد { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في تكذيبي وخلافي { وَأَطِيعُونِ } في أمري { إِنَّ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ } إقرار بالعبودية ونفي للربوبية عن نفسه بخلاف ما يزعم النصارى { فَٱعْبُدُوهُ } دوني { هَـٰذَا صِرٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ } يؤدي صاحبه إلى النعيم المقيم.

{ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ } علم من اليهود كفراً علماً لا شبهة فيه كعلم ما يدرك بالحواس { قَالَ مَنْ أَنصَارِي } «أنصاري» مدني وهو جمع ناصر كأصحاب أو جمع نصير كأشراف { إِلَى ٱللَّهِ } يتعلق بمحذوف حال من الياء أي من أنصاري ذاهباً إلى الله ملتجئاً إليه { قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ } حواريّ الرجل صفوته وخاصته { نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } أعوان دينه { آمنا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ } يا عيسى { بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } إنما طلبوا شهادته بإسلامهم تأكيداً لإيمانهم لأن الرسل يشهدون يوم القيامة لقومهم وعليهم، وفيه دليل على أن الإيمان والإسلام واحد { رَبَّنَا ءَامَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ } أي رسولك عيسى { فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم، أو مع الذين يشهدون لك بالوحدانية، أو مع أمة محمد عليه السلام لأنهم شهداء على الناس { وَمَكَرُواْ } أي كفار بني إسرائيل الذين أحس عيسى منهم الكفر حين أرادوا قتله وصلبه { وَمَكَرَ ٱللَّهُ } أي جازاهم على مكرهم بأن رفع عيسى إلى السماء وألقى شبهه على من أراد اغتياله حتى قتل، ولا يجوز إضافة المكر إلى الله تعالى إلا على معنى الجزاء، لأنه مذموم عند الخلق وعلى هذا الخداع والاستهزاء كذا في شرح التأويلات. { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَـٰكِرِينَ } أقوى المجازين وأقدرهم على العقاب من حيث لا يشعر المعاقب { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ } ظرف لمكر الله { يٰعِيسَىٰ إِنّي مُتَوَفّيكَ } أي مستوفي أجلك ومعناه أني عاصمك من أن يقتلك الكفار ومميتك حتف أنفك لا قتلاً بأيديهم { وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } إلى سمائي ومقر ملائكتي { وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } من سوء جوارهم وخبث صحبتهم. وقيل: متوفيك قابضك من الأرض من توفيت مالي على فلان إذا استوفيته، أو مميتك في وقتك بعد النزول من السماء ورافعك الآن، إذ الواو لا توجب الترتيب. قال النبي عليه السلام " ينزل عيسى خليفة على أمتي يدق الصليب ويقتل الخنازير ويلبث أربعين سنة، ويتزوج ويولد له ثم يتوفى وكيف تهلك أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها والمهدي من أهل بيتي وفي وسطها" أو متوفي نفسك بالنوم ورافعك وأنت نائم حتى لا يلحقك خوف وتستيقظ وأنت في السماء آمن مقرب { وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ } أي المسلمين لأنهم متبعوه في أصل الإسلام وإن اختلفت الشرائع دون الذين كذبوه وكذبوا عليه من اليهود والنصارى { فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بك { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } يعلونهم بالحجة وفي أكثر الأحوال بها وبالسيف { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } في الآخرة { فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مّن نَّـٰصِرِينَ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ فَيُوَفّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ } وتفسير الحكم هاتان الآيتان فيوفيهم حفص.