التفاسير

< >
عرض

يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ
٧٠
يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
٧١
وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٧٢
وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
٧٣
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
٧٤
وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ٱلأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
٧٥
بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
٧٦
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٧٧
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
٧٨
مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَٰبَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ
٧٩
وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ
٨٠
وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ
٨١
فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
٨٢
-آل عمران

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ يأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِأَيَـٰتِ ٱللَّهِ } بالتوراة والإنجيل، وكفرهم بها أنهم لا يؤمنون بما نطقت به من صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرها { وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ } تعترفون بأنها آيات الله أو تكفرون بالقرآن ودلائل نبوة الرسول وأنتم تشهدون نعته في الكتابين، أو تكفرون بآيات الله جميعاً وأنتم تعلمون أنها حق { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَـٰطِلِ } تخلطون الإيمان بموسى وعيسى بالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم { وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ } نعت محمد عليه السلام { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } أنه حق { وَقَالَت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } فيم بينهم { ءامِنُواْ بٱلَّذِى أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } أي القرآن { وَجْهَ ٱلنَّهَارِ } ظرف أي أوله يعني أظهروا الإيمان بما أنزل على المسلمين في أول النهار { وَٱكْفُرُواْ ءاخِرَهُ } واكفروا به آخره { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } لعل المسلمين يقولون ما رجعوا وهم أهل كتاب وعلم إلا لأمر قد تبين لهم فيرجـعون برجـوعكم.

{ وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ } «ولا تؤمنوا» متعلق بقوله { أن يؤتى أحدٌ مّثل ما أوتيتم } وما بينهما اعتراض أي ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم دون غيرهم، أرادوا أسروا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا من كتب الله مثل ما أوتيتم ولا تفشوه إلا إلى أشياعكم وحدهم دون المسلمين لئلا يزيدهم ثباتاً ودون المشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام { أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبّكُمْ } عطف على «أن يؤتى» والضمير في «يحاجوكم» لأحد لأنه في معنى الجمع بمعنى ولا تؤمنوا لغير اتباعكم أن المسلمين يحاجونكم يوم القيامة بالحق ويغالبونكم عند الله بالحجة. ومعنى الاعتراض أن الهدى هدى الله من شاء هداه حتى أسلم أو ثبت على الإسلام كان ذلك ولم ينفع كيدكم وحيلكم وزيكم تصديقكم عن المسلمين والمشركين، وكذلك قوله { قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ } يريد الهداية والتوفيق، أو يتم الكلام عند قوله «إلا لمن تبع دينكم» أي ولا تؤمنوا هذا الإيمان الظاهر وهو إيمانهم وجه النهار إلا لمن تبع دينكم إلا لمن كانوا تابعين لدينكم ممن أسلموا منكم، لأن رجوعهم كان أرجى عندهم من رجوع من سواهم. ومعنى قوله «أن يؤتى» لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ودبرتموه لا لشيء آخر يعني أن ما بكم من الحسد والبغي أن يأتي أحد مثل ما أوتيتم من العلم، والكتاب دعاكم إلى أن قلتم ما قلتم، ويدل عليه قراءة ابن كثير «آن» بالمد والاستفهام يعني الآن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الكتاب تحسدونهم. وقوله «أو يحاجوكم» على هذا معناه دبرتم ما دبرتم لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أو لما يتصل به عند كفركم به من محاجتهم لكم عند ربكم { وَٱللَّهُ وٰسِعٌ } أي واسع الرحمة { عَلِيمٌ } بالمصلحة { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ } بالنبوة أو بالإسلام { مَن يَشَاء وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ * وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدّهِ إِلَيْكَ } هو عبد الله بن سلام، استودعه رجل من قريش ألفاً ومائتي أوقية ذهباً فأداه إليه { وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } هو فنحاص بن عازوراء، استودعه رجل من قريش ديناراً فجحده وخانه. وقال: المأمونون على الكثير النصارى لغلبة الأمانة عليهم، والخائنون في القليل اليهود لغلبة الخيانة عليهم { إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا } إلا مدة دوامك عليه يا صاحب الحق قائماً على رأسه ملازماً له. «يؤده» و«لا يؤده» بكسر الهاء مشبعة: مكي وشامي ونافع وعلي وحفص، واختلس أبو عمرو في رواية. غيرهم: بسكون الهاء.

{ ذٰلِكَ } إشارة إلى ترك الأداء الذي دل عليه «لا يؤده» { بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلأُمّيِينَ سَبِيلٌ } أي تركهم أداء الحقوق بسبب قولهم «ليس علينا من الأميين سبيل» أي لا يتطرق علينا إثم وذم في شأن الأميين يعنون الذين ليسوا من أهل الكتاب، وما فعلنا بهم من حبس أموالهم والإضرار بهم لأنهم ليسوا على ديننا وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم وكانوا يقولون لم يجـعل لهم في كتابنا حرمة. وقيل: بايع اليهود رجالاً من قريش، فلما أسلموا تقاضوهم فقالوا: ليس لكم علينا حق حيث تركتم دينكم وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم { وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } بادعائهم أن ذلك في كتابهم { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أنهم كاذبون { بَلَىٰ } إثبات لما نفوه من السبيل عليهم في الأميين أي بلى عليهم سبيل فيهم. وقوله { مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَٱتَّقَى } جملة مسأنفة مقررة للجملة التي سدت «بلى» مسدها، والضمير في «بعده» يرجع إلى الله تعالى أي كل من أوفى بعهد الله واتقاه { فَإِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } أي يحبهم فوضع الظاهر موضع الضمير وعموم المتقين قام مقام الضمير الراجع من الجزاء إلى «من» ويدخل في ذلك الإيمان وغيره من الصالحات وما وجب اتقاؤه من الكفر وأعمال السوء. قيل: نزلت في عبد الله بن سلام ونحوه من مسلمي أهل الكتاب، ويجوز أن يرجع الضمير إلى «من أوفى» أي كل من أوفى بما عاهد الله عليه واتقى الله في ترك الخيانة والغدر فإن الله يحبه. ونزل فيمن حرّف التوراة وبدل نعته عليه السلام من اليهود وأخذ الرشوة على ذلك { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ } يستبدلون { بِعَهْدِ ٱللَّهِ } بما عاهدوه عليه من الإيمان بالرسول المصدق لما معهم { وَأَيْمَـٰنِهِمْ } وبما حلفوا به من قولهم «والله لنؤمنن به ولننصرنه» { ثَمَناً قَلِيلاً } متاع الدنيا من الترؤس والارتشاء ونحو ذلك، وقوله «بعهد الله» يقوي رجوع الضمير في «بعهده» إلى الله { أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلَـٰقَ لَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ } أي لا نصيب { وَلاَ يُكَلّمُهُمُ ٱللَّهُ } بما يسرهم { وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } نظر رحمة { وَلاَ يُزَكّيهِمْ } ولا يثني عليهم { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } مؤلم.

{ وَإِنَّ مِنْهُمْ } من أهل الكتاب { لَفَرِيقًا } هم كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وحيي بن أخطب وغيرهم { يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِٱلْكِتَـٰبِ } يفتلونها بقراءته عن الصحيح إلى المحرف، واللّيُ الفتل وهو الصرف والمراد تحريفهم كآبة الرجم ونعت محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك. والضمير في { لِتَحْسَبُوهُ } يرجع إلى ما دل عليه «يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِٱلْكِتَـٰبِ » وهو المحرف، ويجوز أن يراد يعطفون ألسنتهم بشبه الكتاب لتحسبوا ذلك الشبه { مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } أي التوراة { وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَـٰبِ } وليس هو من التوراة { وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ } تأكيد لقوله «وما هو من الكتاب» وزيادة تشنيع عليهم { وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أنهم كاذبون { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَـٰبَ } تكذيب لمن اعتقد عبادة عيسى عليه السلام. وقيل: قال رجل: يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك؟ قال: "لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله" { وَٱلْحُكْمَ } والحكمة وهي السنة أو فصل القضاء { وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ } عطف على «يؤتيه» { لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لّى مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيّينَ } ولكن يقول: كونوا ربانيين. والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون وهو شديد التمسك بدين الله وطاعته. وحين مات ابن عباس قال ابن الحنفية: مات رباني هذه الأمة. وعن الحسن: ربانيين علماء فقهاء. وقيل: علماء معلمين. وقالوا: الرباني العالم العامل { بِمَا كُنتُمْ تُعَلّمُونَ ٱلْكِتَـٰبَ } كوفي وشامي أي غيركم غيرهم بالتخفيف { وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ } أي تقرأون، والمعنى بسبب كونكم عالمين وبسبب كونكم دارسين للعلم كانت الربانية التي هي قوة التمسك بطاعة الله مسببة عن العلم والدراسة، وكفى به دليلاً على خيبة سعي من جهد نفسه وكد روحه في جمع العلم ثم لم يجـعله ذريعة إلى العمل، فكان كمن غرس شجرة حسناء تؤنقه بمنظرها ولا تنفعه بثمرها. وقيل: معنى «تدرسون» تدرسونه على الناس كقوله { لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ } [الإسراء: 106] فيكون معناه معنى تدرسون من التدريس كقراءة ابن جبير.

{ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ } بالنصب عطفاً على «ثم يقول» ووجهه أن تجعل «لا» مزيدة لتأكيد معنى النفي في قوله «ما كان لبشر» والمعنى ما كان لبشر أن يستنبئه الله وينصبه للدعاء إلى اختصاص الله بالعبادة وترك الأنداد ثم يأمر الناس بأن يكونوا عباداً له ويأمركم { أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ وَٱلنَّبِيّيْنَ أَرْبَابًا } كما تقول «ما كان لزيد أن أكرمه ثم يهينني ولا يستخف بي»وبالرفع حجازي وأبو عمرو وعليّ على ابتداء الكلام، والهمزة في { أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ } للإنكار والضمير في «لا يأمركم» و«أيأمركم» للبشر أو لله. وقوله { بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ } يدل على أن المخاطبين كانوا مسلمين وهم الذين استأذنوه أن يسجدوا له.

{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلنَّبِيّيْنَ } هو على ظاهره من أخذ الميثاق على النبيين بذلك، أو المراد ميثاق الأولاد النبيين وهم بنو إسرائيل على حذف المضاف. واللام في { لَمَا ءاتَيْتُكُم مّن كِتَـٰبٍ وَحِكْمَةٍ } لام التوطئة لأن أخذ الميثاق في معنى الاستحلاف، وفي «لتؤمنن» لام جواب القسم، وما يجوز أن تكون متضمنة لمعنى الشرط و«لتؤمنن» ساد مسد جواب القسم والشرط جميعاً، وأن تكون موصولة بمعنى للذي آتيتكموه لتؤمنن به { ثُمَّ جَاءكُمْ } معطوف على الصلة والعائد منه إلى ما محذوف والتقدير ثم جاءكم به { رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لّمَا مَعَكُمْ } للكتاب الذي معكم { لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ } بالرسول { وَلَتَنصُرُنَّهُ } أي الرسول وهو محمد صلى الله عليه وسلم «لما آتيتكم» حمزة و «ما» بمعنى الذي، أو مصدرية أي لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة ثم لمجيء رسول مصدق لما معكم. واللام للتعليل أي أخذ الله ميثاقهم لتؤمنن بالرسول ولتنصرنه لأجل أني آتيتكم الحكمة، وأن الرسول الذي آمركم بالإيمان به ونصرته موافق لكم غير مخالف. «آتيناكم»: مدني { قَالَ } أي الله { أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِى } أي قبلتم عهدي، وسمي إصراً لأنه مما يؤصر أي يشد ويعقد { قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ } فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار { وَأَنَاْ مَعَكُمْ مّنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } وأنا معكم على ذلك من إقراركم وتشاهدكم من الشاهدين، وهذا توكيد عليهم وتحذير من الرجوع إذا علموا بشهادة الله وشهادة بعضهم على بعض. وقيل: قال الله للملائكة اشهدوا { فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ } الميثاق والتوكيد ونقض العهد بعد قبوله وأعرض عن الإيمان بالنبيّ الجائي { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } المتمردون من الكفار.