التفاسير

< >
عرض

أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً
٦٣
وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً
٦٤
فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً
٦٥
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً
٦٦
وَإِذاً لأَتَيْنَٰهُم مِّن لَّدُنَّـآ أَجْراً عَظِيماً
٦٧
وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً
٦٨
وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً
٦٩
ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً
٧٠
يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً
٧١
وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً
٧٢
وَلَئِنْ أَصَٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً
٧٣
فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً
٧٤
وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً
٧٥
ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ فَقَٰتِلُوۤاْ أَوْلِيَاءَ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَٰنِ كَانَ ضَعِيفاً
٧٦
-النساء

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ } من النفاق. { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِى أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } فأعرض عن قبول الأعذار وعظ بالزجر والإنكار وبالغ في وعظهم بالتخويف والإنذار، أو أعرض عن عقابهم وعظهم في عتابهم وبلغ كنه ما في ضميرك من الوعظ بارتكابهم. والبلاغة أن يبلغ بلسانه كنه ما في جنانه. و«في أنفسهم» يتعلق بـ «قل لهم» أي قل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النفاق قولاً بليغاً منهم ويؤثر فيهم.

{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ } أي رسولاً قط { إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } بتوفيقه في طاعته وتيسيره، أو بسبب إذن الله في طاعته وبأنه أمر المبعوث إليهم بأن يطيعوه لأنه مؤد عن الله فطاعته طاعة الله { وَمَن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [النساء: 80] { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } بالتحاكم إلى الطاغوت { جَاءُوكَ } تائبين من النفاق معتذرين عما ارتكبوا من الشقاق { فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ } من النفاق والشقاق { وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ } بالشفاعة لهم. والعامل في «إذ ظلموا» خبر «أنّ» وهو «جاؤوك» والمعنى: ولو وقع مجيئهم في وقت ظلمهم مع استغفارهم واستغفار الرسول { لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً } لعلموه تواباً أي لتاب عليهم. ولم يقل «واستغفرت لهم» وعدل عنه إلى طريقة الالتفات تفخيماً لشأنه صلى الله عليه وسلم وتعظيماً لاستغفاره وتنبيهاً على أن شفاعة من اسمه الرسول من الله بمكان { رَّحِيماً } بهم. قيل: جاء أعرابي بعد دفنه عليه السلام فرمى بنفسه على قبره وحثا من ترابه على رأسه وقال: يا رسول الله، قلت فسمعنا وكان فيما أنزل عليك: « ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم» الآية. وقد ظلمت نفسي وجئتك أستغفر الله من ذنبي فاستغفر لي من ربي، فنودي من قبره قد غفر لك.

{ فَلاَ وَرَبّكَ } أي فوربك كقوله { فَوَرَبّكَ لَنَسْـئَلَنَّهُمْ } [الحجر: 92] «ولا» مزيدة لتأكيد معنى القسم وجواب القسم { لاَ يُؤْمِنُونَ } أو التقدير: فلا أي ليس الأمر كما يقولون ثم قال « وربك لا يؤمنون»{ حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } فيما اختلف بينهم واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه { ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً } ضيقاً { مّمَّا قَضَيْتَ } أي لا تضيق صدورهم من حكمك أو شكًّا، لأن الشاك في ضيق من أمره حتى يلوح له اليقين { وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً } وينقادوا لقضائك انقياداً وحقيقته. سلم نفسه له وأسلمها أي جعلها سالمة له أي خاصة. وتسليماً مصدر مؤكد للفعل بمنزلة تكريره كأنه قيل: وينقادوا لحكمك انقياداً لا شبهة فيه بظاهرهم وباطنهم، والمعنى لا يكونون مؤمنين حتى يرضوا بحكمك وقضائك { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ } على المنافقين أي ولو وقع كتبنا عليهم { أَنِ ٱقْتُلُواْ } «أن» هي المفسرة { أَنفُسَكُـمْ } أي تعرضوا للقتل بالجهاد. أو ولو أوجبنا عليهم مثل ما أوجبنا على بني إسرائيل من قتلهم أنفسهم { أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَـٰرِكُمْ } بالهجرة { مَّا فَعَلُوهُ } لنفاقهم. والهاء ضمير أحد مصدري الفعلين وهو القتل أو الخروج أو ضمير المكتوب لدلالة كتبنا «عليه» { إِلاَّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ } «قليلاً»: شامي على الاستثناء والرفع على البدل من واو «فعلوه» { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ } من اتباع رسول الله عليه السلام والانقياد لحكمه { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } في الدارين { وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } لإيمانهم وأبعد عن الاضطراب فيه { وَإِذَاً } جواب لسؤال مقدر كأنه قيل: وماذا يكون لهم بعد التثبيت؟ فقيل: وإذا لو ثبتوا { لاَتَيْنَـٰهُمْ مّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً } أي ثواباً كثيراً لا ينقطع.

{ وَلَهَدَيْنَـٰهُمْ صِرٰطاً } مفعول ثانٍ { مُّسْتَقِيماً } أي لثبتناهم على الدين الحق { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ ٱلنَّبِيّيْنَ وَٱلصّدّيقِينَ } كأفاضل صحابة الأنبياء. والصديق: المبالغ في صدق ظاهره بالمعاملة وباطنه بالمراقبة، أو الذي يصدق قوله بفعله { وَٱلشُّهَدَاء } والذين استشهدوا في سبيل الله { وَٱلصَّـٰلِحِينَ } ومن صلحت أحوالهم وحسنت أعمالهم { وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً } أي وما أحسن أولئك رفيقاً وهو كالصديق والخليط في استواء الواحد والجمع فيه { ذٰلِكَ } مبتدأ خبره { ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ } أو« الفضل» صفته و«من الله» خبره والمعنى: أن ما أعطى المطيعون من الأجر العظيم ومرافقة المنعم عليهم من الله لأنه تفضل به عليهم، أو أراد أن فضل المنعم عليهم ومزيتهم من الله. { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً } بِعِبَادِهِ وَبِمَن هُوَ أَهْلُ ٱلْفَضْلِ ودلت الآية على أن ما يفعل الله بعباده فهو فضل منه بخلاف ما يقوله المعتزلة { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ } الحذر والحذر بمعنى وهو التحرز وهما كالإثر والأثر. يقال: أخذ حذره إذا تيقظ، واحترز من المخوف كأنه جعل الحذر آلته التي يقي بها نفسه ويعصم بها روحه، والمعنى احذروا واحترزوا من العدو { فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ } فاخرجوا إلى العدو جماعات متفرقة سرية بعد سرية، فالثباب الجماعات واحدها ثبة. { أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } أي مجتمعين أو مع النبي عليه السلام، لأن الجمع بدون السمع لا يتم، والعقد بدون الواسطة لا ينتظم. أو انفروا ثباتٍ إذا لم يعم النفير، أو انفروا جميعاً إذا عم النفير. وثبات «حال» وكذا «جميعاً». واللام في { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن } للابتداء بمنزلتها في { إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ } [النحل: 18] و «من» موصولة. وفي { لَّيُبَطّئَنَّ } جواب قسم محذوف تقديره: وإن منكم لمن أقسم بالله ليبطئن والقسم وجوابه صلة من، والضمير الراجع منها إليه ما استكنّ في { لَّيُبَطّئَنَّ } أي ليتثاقلن وليتخلفن عن الجهاد، وبطؤ بمعنى أبطأ أي تأخر ويقال: «ما بطؤ بك» فيتعدى بالباء. والخطاب لعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله «منكم »أي في الظاهر دون الباطن يعني المنافقين يقولون لم تقتلون أنفسكم تأنوا حتى يظهر الأمر { فَإِنْ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ } قتل أو هزيمة { قَالَ } المبطىء { قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَىَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } «حاضر» فيصيبني مثل ما أصابهم { وَلَئِنْ أَصَـٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله } فتح أو غنيمة { لَّيَقُولَنَّ } هذا المبطىء متلهفاً على ما فاته من الغنمية لا طلباً للمثوبة { كَأنَ } مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي كأنه { لََّمْ تَكُنْ } وبالتاء مكي وحفص { بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ } وهي اعتراض بين الفعل وهو« ليقولن» وبين مفعوله وهو { يٰلَيتَنِى كُنتُ مَعَهُمْ } والمعنى: كأن لم يتقدم له معكم موادة لأن المنافقين كانوا يوادون المؤمنين في الظاهر وإن كانوا يبغون لهم الغوائل في الباطن { فَأَفُوزَ } بالنصب لأنه جواب التمني { فَوْزاً عَظِيماً } فآخذ من الغنيمة حظاً وافراً.

{ فَلْيُقَاتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ } يبيعون { ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلأخِرَةِ } والمراد المؤمنون الذين يستحبون الحياة الآجلة على العاجلة ويستبدلونها بها، أي إن صد الذين مرضت قلوبهم وضعفت نياتهم عن القتال فليقاتل الثابتون المخلصون أو يشترون، والمراد المنافقون الذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة، وعطفوا بأن يغيروا ما بهم من النفاق ويخلصوا الإيمان بالله ورسوله ويجـاهدوا في سبيل الله حق جهاده { وَمَن يُقَـٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } وعد الله المقاتل في سبيل الله ظافراً أو مظفوراً به إيتاء الأجر العظيم على اجتهاده في إعزاز دين الله. { وَمَا لَكُمْ } مبتدأ وخبر، وهذا الاستفهام في النفي للتنبيه على الاستبطاء، وفي الإثبات للإنكار { لاَ تُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } حال والعامل فيها الاستقرار كما تقول «مالك قائماً» والمعنى وأي شيء لكم تاركين القتال وقد ظهرت دواعيه { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ } مجرور بالعطف «على سبيل الله» أي في سبيل الله وفي خلاص المستضعفين، أو منصوب على الاختصاص منه أي واختص من سبيل الله خلاص المستضعَفين من المستضعِفين، لأن سبيل الله عام في كل خير، وخلاص المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخير وأخصه. والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة وصدهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين أظهرهم مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد { مِنَ ٱلرّجَالِ وَٱلنّسَاء وَٱلْوِلْدٰنِ } ذكر الولدان تسجيلاً بإفراط ظلمهم حيث بلغ أذاهم الولدان غير المكلفين إرغاماً لآبائهم وأمهاتهم، ولأن المستضعفين كانوا يشركون صبيانهم في دعائهم استنزالاً لرحمة الله بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا كما فعل قوم يونس عليه السلام. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ } يعني مكة { ٱلظَّـٰلِمِ أَهْلُهَا }« الظالم» وصف للقرية إلا أنه مسند إلى أهلها فأعطي إعراب القرية لأنه صفتها وذكر لإسناده إلى الأهل كما تقول «من هذه القرية التي ظلم أهلها» { وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } يتولى أمرنا ويستنقذنا من أعدائنا { وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً } ينصرنا عليهم. كانوا يدعون الله بالخلاص ويستنصرونه فيسر الله لبعضهم الخروج إلى المدينة وبقي بعضهم إلى الفتح حتى جعل الله لهم من لدنه خير ولي وناصر وهو محمد عليه السلام، فتولاهم أحسن التولي ونصرهم أقوى النصر. ولما خرج محمد صلى الله عليه وسلم استعمل عتاب بن أسيد فرأوا منه الولاية والنصرة كما أرادوا. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان ينصر الضعيف من القوي حتى كانوا أعز بها من الظلمة

ثم رغب الله المؤمنين بأنهم يقاتلون في سبيل الله فهو وليهم وناصرهم، وأعداؤهم يقاتلون في سبيل الشيطان فلا ولي لهم إلا الشيطان بقوله { ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱلطَّـٰغُوتِ } أي الشيطان { فَقَـٰتِلُواْ أَوْلِيَاء ٱلشَّيْطَـٰنِ } أي الكفار { إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَـٰنِ } أي وساوسه. وقيل: الكيد السعي في فساد الحال على جهة الاحتيال { كَانَ ضَعِيفاً } لأنه غرور لا يؤول إلى محصول، أو كيده في مقابلة نصر الله ضعيف. كان المسلمون مكفوفين عن القتال مع الكفار ما داموا بمكة وكانوا يتمنون أن يؤذن لهم فيه فنزل.