{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُنَا } أي القرآن يعني ما فيه من ذكر البعث { بَيِّنَـٰتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ } وسمى قولهم حجة وإن لم يكن حجة لأنه في زعمهم حجة { إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِأَبَآءِنَا } أي أحيوهم.
{ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } في دعوى البعث، و { حُجَّتَهُمْ } خبر «كان» واسمها { أَن قَالُواْ } والمعنى ما كان حجتهم إلا مقالتهم: { ٱئْتُواْ بِـئَابَائِنَا } وقرىء { حُجَّتَهُمْ } بالرفع على أنها اسم «كان» و { أَن قَالُواْ } الخبر. { قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ } في الدنيا { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } فيها عند انتهاء أعماركم { ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي يبعثكم يوم القيامة جميعاً ومن كان قادراً على ذلك كان قادراً على الإتيان بآبائكم ضرورة { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي في الجمع { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } قدرة الله على البعث لإعراضهم عن التفكر في الدلائل { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } عامل النصب في { يَوْمٍ تَقُومُ } { يَخْسَرُ } و { يَوْمَئِذٍ } بدل من { يَوْمٍ تَقُومُ } { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } جالسة على الركب، يقال: جثا فلان يجثو إذا جلس على ركبتيه وقيل جاثية مجتمعة { كُـلُّ أُمَّةٍ } بالرفع على الابتداء { كُلَّ } بالفتح: يعقوب على الإبدال من { كُـلَّ أُمَّةٍ } { تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَـٰبِهَا } إلى صحائف أعمالها فاكتفى باسم الجنس فيقال لهم { ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } في الدنيا.
{ هَـٰذَا كِتَـٰبُنَا } أضيف الكتاب إليهم لملابسته إياهم لأن أعمالهم مثبتة فيه وإلى الله تعالى لأنه مالكه والآمر ملائكته أن يكتبوا فيه أعمال عباده { يَنطِقُ عَلَيْكُم } يشهد عليكم بما عملتم { بِٱلْحَقِّ } من غير زيادة ولا نقصان { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي نستكتب الملائكة أعمالكم. وقيل: نسخت واستنسخت بمعنى وليس ذلك بنقل من كتاب بل معناه نثبت { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِى رَحْمَتِهِ } جنته { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوآ } فيقال لهم { أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } والمعنى ألم يأتكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم فحذف المعطوف عليه { فَٱسْتَكْبَرْتُمْ } عن الإيمان بها { وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } كافرين { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ } بالجزاء { حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ } بالرفع عطف على محل «إن» واسمها. { وَٱلسَّاعَةُ }: حمزة عطف على { وَعَدَ ٱللَّهُ } { لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِى مَا ٱلسَّاعَةُ } أي شيء الساعة { إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً } أصله نظن ظناً ومعناه إثبات الظن فحسب فأدخل حرف النفي والاستثناء ليفاد إثبات الظن مع نفي ما سواه، وزيد نفي ما سوى الظن توكيداً بقوله { وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ وَبَدَا لَهُمْ } ظهر لهؤلاء الكفار { سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ } قبائح أعمالهم أو عقوبات أعمالهم السيئات كقوله:
{ وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا } [الشورى: 40] { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } ونزل بهم جزاء استهزائهم. { وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } أي نترككم في العذاب كما تركتم عدة لقاء يومكم وهي الطاعة، وإضافة اللقاء إلى اليوم كإضافة المكر في قوله
{ بَلْ مَكْرُ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } [سبأ: 33] أي نسيتم لقاء الله تعالى في يومكم هذا ولقاء جزائه { وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ } أي منزلكم { وَمَا لَكُمْ مِّن نَّـٰصِرِينَ ذٰلِكُمْ } العذاب { بِأَنَّكُمُ } بسبب أنكم { ٱتَّخَذْتُمْ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا } { لاَ يَخْرُجُونَ } حمزة وعلي { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } ولا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم أي يرضوه { فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَرَبِّ ٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي فاحمدوا الله الذي هو ربكم ورب كل شيء من السماوات والأرض والعالمين، فإن مثل هذه الربوبية العامة توجب الحمد والثناء على كل مربوب { وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } وكبّروه فقد ظهرت آثار كبريائه وعظمته في السماوات والأرض { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } في انتقامه { ٱلْحَكِيمُ } في أحكامه.