التفاسير

< >
عرض

فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ
٧٢
وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٧٣
وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتاً فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ
٧٤
قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ
٧٥
قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
٧٦
فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
٧٧
فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ
٧٨
فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّٰصِحِينَ
٧٩
وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ
٨٠
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ
٨١
وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ
٨٢
فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ
٨٣
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ
٨٤
وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ
٨٥
وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ
٨٦
وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَٱصْبِرُواْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ
٨٧
-الأعراف

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ فَأَنجَيْنَـٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } أي من آمن به { بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } الدابر الأصل أو الكائن خلف الشيء، وقطع دابرهم استئصالهم وتدميرهم عن آخرهم { وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } فائدة نفي الإيمان عنهم مع إثبات التكذيب بآيات الله الإشعار بأن الهلاك خص المكذبين. وقصتهم أن عاداً قد تبسطوا في البلاد ما بين عمان وحضرموت، وكانت لهم أصنام يعبدونها صداء وصمود والهباء، فبعث الله إليهم هوداً فكذبوه فأمسك القطر عنهم ثلاث سنين. وكانوا إذا نزل بهم بلاء طلبوا إلى الله الفرج منه عند بيته الحرام فأوفدوا إليه ـ قيل ابن عنز ونعيم بن هزال ومرثد بن سعد ـ وكان يكتم إيمانه بهود عليه السلام وأهل مكة إذ ذاك العماليق أولاد عمليق بن لاوز بن سام بن نوح وسيدهم معاوية بن بكر، فنزلوا عليه بظاهر مكة فقال لهم مرثد: لن تسقوا حتى تؤمنوا بهود فخلفوا مرثداً وخرجوا فقال قيل: اللهم اسق عاداً ما كنت تسقيهم فأنشأ الله سحابات ثلاثاً بيضاء وحمراء وسوداء، ثم ناداه منادٍ من السماء: يا قيل اختر لنفسك ولقومك، فاختار السوداء على ظن أنها أكثر ماء فخرجت على عاد من وادٍ لهم فاستبشروا وقالوا هذا عارض ممطرنا، فجاءتهم منها ريح عقيم فأهلكتهم ونجا هود والمؤمنون معه فأتوا مكة فعبدوا الله فيها حتى ماتوا.

{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ } وأرسلنا إلى ثمود. وقريء { وإلى ثمودٍ } بتأويل الحي أو باعتبار الأصل لأنه اسم أبيهم الأكبر، ومنع الصرف بتأويل القبيلة، وقيل: سميت ثمود لقلة مائها من الثمد وهو الماء القليل وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام { أَخَاهُمْ صَـٰلِحًا قَالَ يَـٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيّنَةٌ مّن رَّبّكُمْ } آية ظاهرة شاهدة على صحة نبوتي فكأنه قيل: ما هذه البينة؟ فقال: { هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ } وهذه إضافة تخصيص وتعظيم لأنها بتكوينه تعالى بلا صلب ولا رحم { لَكُمْ ءايَةً } حال من الناقة والعامل معنى الإشارة في { هَـٰذِهِ } كأنه قيل: أشير إليها آية ولكم بيان لمن هي له آية وهي ثمود لأنهم عاينوها { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ ٱللَّهِ } أي الأرض أرض الله والناقة ناقة الله فذروها تأكل في أرض ربها من نبات ربها فليس عليكم مؤنتها { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء } ولا تضربوها ولا تعقروها ولا تطردوها إكراماً لآية الله { فَيَأْخُذَكُمْ } جواب النهي { عَذَابٌ أَلِيمٌ وَٱذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ } ونزلكم، والمباءة المنزل { فِى ٱلأَرْضِ } في أرض الحجر بين الحجاز والشام { تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا } غرفاً للصيف { وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتًا } للشتاء، و { بُيُوتًا } حال مقدرة نحو «خط هذا الثوب قميصاً» إذ الجبل لا يكون بيتاً في حال النحت ولا الثوب قميصاً في حال الخياطة { فَٱذْكُرُواْ ءالآء ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } روي أن عاداً لما أهلكت عمرت ثمود بلادها وخلفوها في الأرض وعمروا أعماراً طوالاً، فنحتوا البيوت من الجبال خشية الانهدام قبل الممات، وكانوا في سعة من العيش فعتوا على الله وأفسدوا في الأرض وعبدوا الأوثان، فبعث الله إليهم صالحاً وكانوا قوماً عرباً وصالح من أوسطهم نسباً، فدعاهم إلى الله فلم يتبعه إلا قليل منهم مستضعفون فأنذرهم، فسألوه أن يخرج من صخرة بعينها ناقة عشراء فصلى ودعا ربه فتمخضت تمخض النتوج بولدها فخرجت منها ناقة كما شاؤوا فآمن به جندع ورهط من قومه.

{ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ } { وَقَالَ } شامي { لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } للذين استضعفهم رؤساء الكفار { لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ } بدل من { ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } بإعادة الجار، وفيه دليل على أن البدل حيث جاء كان في تقدير إعادة العامل، والضمير في { مِنْهُمْ } راجع إلى قومه وهو يدل على أن استضعافهم كان مقصوراً على المؤمنين، أو إلى { ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } وهو يدل على أن المستضعفين كانوا مؤمنين وكافرين { أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَـٰلِحاً مُّرْسَلٌ مّن رَّبّهِ } قالوه على سبيل السخرية { قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } وإنما صار هذا جواباً لهم لأنهم سألوهم عن العلم بإرساله أمراً معلوماً مسلماً كأنهم قالوا: العلم بإرساله وبما أرسل به لا شبهة فيه، وإنما الكلام في وجوب الإيمان به فنخبركم أنابه مؤمنون { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِٱلَّذِى ءامَنتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ } فوضعوا { آمنتم به } موضع أرسل به رداً لما جعله المؤمنون معلوماً مسلماً { فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ } أسند العقر إلى جميعهم وإن كان العاقر قدار بن سالف لأنه كان برضاهم. وكان قدار أحمر أزرق قصيراً كما كان فرعون كذلك. وقال عليه السلام: "يا علي، أشقى الأولين عاقر ناقة صالح وأشقى الآخرين قاتلك" { وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ } وتولوا عنه واستكبروا وأمر ربهم ما أمر به على لسان صالح عليه السلام من قوله { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ ٱللَّهِ } أو شأن ربهم وهو دينه { وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا } من العذاب { إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } الصيحة التي زلزلت لها الأرض واضطربوا لها { فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ } في بلادهم أو مساكنهم { جَـٰثِمِينَ } ميتين قعوداً. يقال: الناس جثم أي قعود لا حراك بهم ولا يتكلمون { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ } لما عقروا الناقة { وَقَالَ يا قَوْمِ } عند فراقه إياهم { لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّـٰصِحِينَ } الآمرين بالهدى لاستحلاء الهوى والنصيحة منيحة تدرأ الفضيحة، ولكنها وخيمة تورث السخيمة. روي أن عقرهم الناقة كان يوم الأربعاء فقال صالح: تعيشون بعده ثلاثة أيام، تصفر وجوهكم أول يوم، وتحمر في الثاني، وتسود في الثالث، ويصيبكم العذاب في الرابع وكان كذلك. روي أنه خرج في مائة وعشرة من المسلمين وهو يبكي، فلما علم أنهم هلكوا رجع بمن معه فسكنوا ديارهم. { وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } أي واذكر لوطاً «وإذ» بدل منه { أَتَأْتُونَ ٱلْفَـٰحِشَةَ } أتفعلون السيئة المتمادية في القبح { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا } ما عملها قبلكم والباء للتعدية ومنه قوله عليه السلام "سبقك بها عكاشة" { مّنْ أَحَدٍ } «من» زائدة لتأكيد المنفي وإفادة معنى الاستغراق { مّن ٱلْعَـٰلَمِينَ } «من» للتبعيض وهذه جملة مستأنفة أنكر عليهم أولاً بقوله { أَتَأْتُونَ ٱلْفَـٰحِشَةَ } ثم وبخهم عليها فقال أنتم أول من عملها. وقوله تعالى { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرّجَالَ } -أئنكم لتأتون الرجال - بيان لقوله { أَتَأْتُونَ ٱلْفَـٰحِشَةَ } والهمزة مثلها في { أَتَأْتُونَ } للإنكار. { إِنَّكُمْ } على الإخبار: مدني وحفص. يقال: أتى المرأة إذا غشيها { شَهْوَةً } مفعول له أي للاشتهاء لا حامل لكم عليه إلا مجرد الشهوة، ولا ذم أعظم منه لأنه وصف لهم بالبهيمية { مّن دُونِ ٱلنّسَاء } أي لا من النساء { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } أضرب عن الإنكار إلى الإخبار عنهم بالحال التي توجب ارتكاب القبائح وهو أنهم قوم عادتهم الإسراف وتجاوز الحدود في كل شيء فمن ثمّ أسرفوا في باب قضاء الشهوة حتى تجاوزوا المعتاد إلى غير المعتاد.

{ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مّن قَرْيَتِكُمْ } أي لوطاً ومن آمن معه يعني ما أجابوه بما يكون جواباً عما كلمهم به لوط من إنكار الفاحشة، ووصفهم بصفة الإسراف الذي هو أصل الشر، ولكنهم جاءوا بشيء آخر لا يتعلق بكلامه ونصيحته من الأمر بإخراجه ومن معه من المؤمنين من قريتهم { إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } يدّعون الطهارة ويدعون فعلنا الخبيث عن ابن عباس رضي الله عنهما: عابوهم بما يتمدح به { فَأَنجَيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ } ومن يختص به من ذويه أو من المؤمنين { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَـٰبِرِينَ } من الباقين في العذاب، والتذكير لتغليب الذكور على الإناث وكانت كافرة موالية لأهل سدوم، وروي أنها التفتت فأصابها حجر فماتت { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا } وأرسلنا عليهم نوعاً من المطر عجيباً قالوا: أمطر الله عليهم الكبريت والنار. وقيل: خسف بالمقيمين منهم وأمطرت حجارة على مسافريهم. وقال أبو عبيدة: أمطر في العذاب ومطر في الرحمة { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ } الكافرين.

{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ } وأرسلنا إلى مدين وهو اسم قبيلة { أَخَـٰهُمْ شُعَيْباً } يقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه وكانوا أهل بخس للمكاييل والموازين { قَالَ يَـا قَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيّنَةٌ مّن رَّبّكُمْ } أي معجزة وإن لم تذكر في القرآن { فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ } أتموهما والمراد فأوفوا الكيل ووزن الميزان، أو يكون الميزان كالميعاد بمعنى المصدر { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءهُمْ } ولا تنقصوا حقوقهم بتطفيف الكيل ونقصان الوزن، وكانوا يبخسون الناس كل شيء في مبايعتهم. «وبخس» يتعدى إلى مفعولين وهما الناس وأشياءهم تقول: بخست زيداً حقه أي نقصته إياه { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا } بعد الإصلاح فيها أي لا تفسدوا فيها بعدما أصلح فيها الصالحون من الأنبياء والأولياء. وإضافته كإضافة { { بَلْ مَكْرُ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } [سبأ: 33] أي بل مكركم في الليل والنهار { ذٰلِكُمْ } إشارة إلى ما ذكر من الوفاء بالكيل والميزان وترك البخس والإفساد في الأرض { خَيْرٌ لَّكُمْ } في الإنسانية وحسن الأحدوثة { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } مصدقين لي في قولي { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلّ صِرٰطٍ } بكل طريق { تُوعَدُونَ } من آمن بشعيب بالعذاب { وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } عن العبادة { مَنْ ءامَنَ بِهِ } بالله وقيل: كانوا يقطعون الطرق. وقيل: كانوا عشارين { وَتَبْغُونَهَا } وتطلبون لسبيل الله { عِوَجَا } أي تصفونها للناس بأنها سبيل معوجة غير مستقيمة لتمنعوهم عن سلوكها. ومحل { تُوعَدُونَ } وما عطف عليه النصب على الحال أي لا تقعدوا موعدين وصادين عن سبيل الله وباغين عوجاً { وَٱذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً } «إذ» مفعول به غير ظرف أي واذكروا على جهة الشكر وقت كونكم قليلاً عددكم { فَكَثَّرَكُمْ } الله ووفر عددكم. وقيل: إن مدين بن إبراهيم تزوج بنت لوط فولدت فرمى الله في نسلها بالبركة والنماء فكثروا { وَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } آخر أمر من أفسد قبلكم من الأمم كقوم نوح وهود ولوط عليهم السلام { وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مّنكُمْ ءامَنُواْ بِٱلَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَٱصْبِرُواْ } فانتظروا { حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ بَيْنَنَا } أي بين الفريقين بأن ينصر المحقين على المبطلين ويظهرهم عليهم، وهذا وعيد للكافرين بانتقام الله تعالى منهم، أو هو حث للمؤمنين على الصبر واحتمال ما كان يلحقهم من المشركين إلى أن يحكم الله بينهم وينتقم لهم منهم، أو هو خطاب للفريقين أي ليصبر المؤمنون على أذى الكفار، والكافرون على ما يسوءهم من إيمان من آمن منهم حتى يحكم الله فيميز الخبيث من الطيب. { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَـٰكِمِينَ } لأن حكمه حق وعدل لا يخاف فيه الجور.