التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٩٣
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٩٤
سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٩٥
يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ
٩٦
ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٩٧
وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٩٨
وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٩٩
وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١٠٠
-التوبة

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَئْذِنُونَكَ } في التخلف { وَهُمْ أَغْنِيَاءُ } وقوله { رَضُواْ } استئناف كأنه قيل: ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء؟ فقيل: رضوا { بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوٰلِفِ } أي بالانتظام في جملة الخوالف { وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ } يقيمون لأنفسهم عذراً باطلاً { إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ } من هذه السفرة { قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ } بالباطل { لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ } لن نصدقكم وهو علة للنهي عن الاعتذار لأن غرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به { قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ } علة لانتفاء تصديقهم لأنه تعالى إذا أوحى إلى رسوله الإعلام بأخبارهم وما في ضمائرهم لم يستقم مع ذلك تصديقهم في معاذيرهم { وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } أتنيبون أم تثبتون على كفركم { ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَـٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } أي تردون إليه وهو عالم كل سر وعلانية { فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فيجازيكم على حسب ذلك.

{ سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ } لتتركوهم ولا توبخوهم { فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ } فأعطوهم طلبتهم { إِنَّهُمْ رِجْسٌ } تعليل لترك معاتبتهم أي أن المعاتبة لا تنفع فيهم ولا تصلحهم لأنهم أرجاسٍ لا سبيل إلى تطهيرهم { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمَ } ومصيرهم النار يعني وكفتهم النار عتاباً وتوبيخاً فلا تتكلفوا عتابهم { جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أي يجزون جزاء كسبهم { يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ } أي غرضهم بالحلف بالله طلب رضاكم لينفعهم ذلك في دنياهم { فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَـٰسِقِينَ } أي فإن رضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كان الله ساخطاً عليهم وكانوا عرضة لعاجل عقوبته وآجلها، وإنما قيل ذلك لئلا يتوهم أن رضا المؤمنين يقتضي رضا الله عنهم.

{ ٱلأَعْرَابُ } أهل البدو { أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا } من أهل الحضر لجفائهم وقسوتهم وبعدهم عن العلم والعلماء { وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ } وأحق بأن لا يعلموا { حُدُودَ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } يعني حدود الدين وما أنزل الله من الشرائع والأحكام ومنه قوله عليه السلام: "إن الجفاء والقسوة في الفدادين" يعني الأكرة لأنهم يفدون أي يصيحون في حروثهم والفديد الصياح { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بأحوالهم { حَكِيمٌ } في إمهالهم { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ } أي يتصدق { مَغْرَمًا } غرامة وخسراناً لأنه لا ينفق إلا تقيّة من المسلمين ورياء لا لوجه الله وابتاء المثوبة عنده { وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَآئِرَ } أي دوائر الزمان وتبدل الأحوال بدور الأيام لتذهب غلبتكم عليه فيتخلص من إعطاء الصدقة { عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ ٱلسَّوْء } أي عليهم تدور المصائب والحروب التي يتوقعون وقوعها في المسلمين. { ٱلسَّوْء } مكي وأبو عمرو وهو العذاب، و { ٱلسَّوْء } بالفتح ذم للدائرة كقولك «رجل سوء» في مقابلة قولك «رجل صدق» { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } لما يقولون إذا توجهت عليهم الصدقة { عَلِيمٌ } بما يضمرونه. { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ } في الجهاد والصدقات { قُرُبَـٰتٍ } أسباباً للقربة { عَندَ ٱللَّهِ } وهو مفعول ثان لـ { يَتَّخِذُ } { وَصَلَوٰتِ ٱلرَّسُولِ } أي دعاءه لأنه عليه السلام كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم كقوله «اللهم صل على آل أبي أوفى» { أَلا إِنَّهَا } أي النفقة أو صلوات الرسول { قُرْبَةٌ لَّهُمْ } { قُرْبَةٌ } نافع. وهذا شهادة من الله للمتصدق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات، وتصديق لرجائه على طريق الاستئناف مع حرفي التنبيه، والتحقيق المؤذنين بثبات الأمر وتمكنه، وكذلك { سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ } أي جنته وما في السين من تحقيق الوعد، وما أدل هذا الكلام على رضا الله من المتصدقين، وأن الصدقة منه بمكان إذا خلصت النية من صاحبها { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } يستر عيب المخل { رَّحِيمٌ } يقبل جهد المقل { وَٱلسَّـٰبِقُونَ } مبتدأ { ٱلأَوَّلُونَ } صفة لهم { مِنَ ٱلْمُهَـٰجِرِينَ } تبيين لهم وهم الذين صلوا إلى القبلتين، أو الذين شهدوا بدراً أو بيعة الرضوان { وَٱلأَنصَـٰرِ } عطف على { الْمُهَـٰجِرِينَ } أي ومن الأنصار وهم أهل بيعة العقبة الأولى وكانوا سبعة نفر، وأهل العقبة الثانية وكانوا سبعين { وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } من المهاجرين والأنصار فكانوا سائر الصحابة. وقيل: هم الذين اتبعوهم بالإيمان والطاعة إلى يوم القيامة والخبر { رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ } بأعمالهم الحسنة { وَرَضُواْ عَنْهُ } بما أفاض عليهم من نعمته الدينية والدنيوية { وَأَعَدَّ لَهُمْ } عطف على { رَضِيَ } { جَنَّـٰتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } { مِن تَحْتِهَا }: مكي { خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }.