التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ
١٥٥
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
١٥٦
-آل عمران

لباب التأويل في معاني التنزيل

قوله عز وجل: { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان } أي انهزموا وهربوا منكم يا معشر المسلمين فهو خطاب لمن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم من المؤمنين يوم أحد بأحد وكان قد انهزم أكثر المسلمين ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة عشر رجلاً وقيل أربعة عشر من المهاجرين سبعة ومن الأنصار سبعة، فمن المهاجرين أبو بكر وعمر وعلي وطلحة بن عبيدالله وعبدالرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم { إنما استزلهم الشيطان } أي طلب زلتهم كما يقال استعجله أي طلب عجلته وقيل حملهم على الزلة وهي الخطيئة وذلك بإلقاء الوسوسة في قلوبهم لا أنه أمرهم بها { ببعض ما كسبوا } يعني بمعصيتهم النبي صلى الله عليه وسلم وتركهم المركز. وقيل استزلهم الشيطان بتذكير خطايا سبقت لهم فكرهوا أن يقتلوا قبل إخلاص التوبة منها وهذا اختيار الزجاج لأنه قال لم يتولوا على جهة المعاندة ولا على الفرار من الزحف رغبة في الدنيا وإنما ذكرهم الشيطان خطايا سلفت لهم فكرهوا إلقاء الله إلا على حالة يرضاها { ولقد عفا الله عنهم } يعني ولقد تجاوز الله عن الذين تولّوا يوم التقى الجمعان فلم يعاقبهم بذلك وغفر لهم وقيل إن عثمان عوتب في هزيمة يوم أحد فقال إن ذلك وإن كان خطأ لكن الله قد عفا عنه وقرأ هذه الآية { إن الله غفور } يعني لمن تاب وأناب { حليم } لا يعجل العقوبة ولا يستأصلهم بالقتل. قوله عز وجل: { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا } يعني المنافقين عبدالله بن أبيّ وأصحابه { وقالوا لإخوانهم } يعني في النفاق والكفر وقيل لإخوانهم في النسب وكانوا مسلمين { إذا ضربوا في الأرض } يعني إذا سافروا في الأرض لتجارة وغيرها { أو كانوا غزى } جمع غاز أي غزاة، في الكلام حذف دل المعنى على ذلك الحذف وهو إذا ضربوا في الأرض فماتوا أو كانوا غزى فقتلوا { لو كانوا عندنا } يعني مقيمين { ما ماتوا وما قلتوا ليجعل الله ذلك } يعني قولهم وظنهم { حسرة في قلوبهم } يعني غماً وتأسفاً { والله يحيي ويميت } هذا رد لقول المنافقين لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا والمعنى أن الأمر بيد الله وأن المحيي والمميت هو الله تعالى فقد يحيي المسافر والغازي ويميت المقيم والقاعد عن الغزو كما يشاء فكيف ينفع الجلوس في البيت وهل يحمي أحد من الموت { والله بما تعملون بصير } يعني أنه تعالى مطلع على ما تعملون من خير أو شر فيجازيكم به فاتقوه ولا تكونوا مثل المنافقين لأن مقصدهم تنفير المؤمنين عن الجهاد بقولهم لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا فإن الله تعالى هو المحيي المميت، فمن قدر له البقاء لم يقتل في الجهاد ومن قدر له الموت لم يبق وإن أقام ببيته عند أهله فلا تقولوا أنتم أيها المؤمنون لمن يريد الخروج إلى الجهاد لا تخرج فتقتل فلان يموت في الجهاد فيستوجب الثواب فإن ذلك خير له من أن يموت لمن يريد في بيته بلا فائدة.