التفاسير

< >
عرض

تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً
٥١
لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً
٥٢
-الأحزاب

لباب التأويل في معاني التنزيل

قوله تعالى { ترجي } يعني تؤخر { من تشاء منهن وتؤوي إليك } أي تضم عليك { من تشاء } قيل هذا للقسم بينهن وذلك أن التسوية بينهن في القسم كانت واجبة عليه صلى الله عليه وسلم، فلما نزلت هذه الآية سقط عنه الوجوب وصار الاختيار إليه فيهن، وقيل نزلت هذه الآية حين غار بعض أمهات المؤمنين على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب بعضهن زيادة النفقة فهجرهن شهراً حتى نزلت آية التخيير فأمره الله تعالى أن يخيرهن فمن اختارت الدنيا فارقها، ويمسك من اختارت الله ورسوله على أنهن أمهات المؤمنين، لا ينحكهن أبداً وعلى أنه يؤوي إليه من يشاء منهن ويرجي من يشاء فيرضين به قسم لهن أو لم يقسم أو قسم لبعضهن، دون بعض، أو فضل بعضهن في النفقة والكسوة فيكون الأمر في ذلك إليه يفعل كيف يشاء وكان ذلك من خصائصه فرضين بذلك واخترنه على هذا الشرط. واختلفوا في أنه هل أخرج أحداً منهن من القسم فقال بعضهم: لم يخرج أحداً بل كان صلى الله عليه وسلم مع ما جعل الله له من ذلك يسوي بينهن في القسم، إلا سودة فإنها رضيت بترك حقها من القسم، وجعلت يومها لعائشة وقيل: أخرج بعضهن. روي عن أبي رزين، قال: لما نزل التخيير أشفقن أن يطلقن فقلن يا نبي الله اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت، ودعنا على حالنا فأرجى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهن، وآوى إليه بعضهن فكان ممن آوى عليه عائشة وحفصة وأم سلمة وزينت، وكان يقسم بينهن سواء وأرجى منهن خمساً أم حبيبة وميمونة وسودة وجويرة وصفية، فكان يقسم لهن ما يشاء وقال ابن عباس تطلق من تشاء منهن، وتمسك من تشاء وقال الحسن: تترك نكاح من شئت وتنكح من شئت من النساء قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب امرأة لم يكن لغيره خطبتها حتى يتركها رسول الله صلى الله وعليه وسلم وقيل تقبل من تشاء من المؤمنات اللاتي يهبن أنفسهن فتؤويها إليك وتترك من تشاء فلا تقبلها (ق)عن عروة قال: كانت خولة بنت حكيم من اللاتي، وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل فلما نزلت ترجي من تشاء منهن قلت يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك { ومن ابتغيت ممن عزلت } أي طلبت أن تؤدي إليك امرأة ممن عزلتهن عن القسمة { فلا جناح عليك } أي لا إثم عليك فأباح الله له ما ترك القسم، لهن، حتى إنه ليؤخر من يشاء منهن من نوبتها ويطأ من يشاء منهم في غير نوبتها ويرد إلى فراشه من عزل منهن، تفضيلاً له على سائر الرجال { ذلك أدنى أن تقرأ أعينهن ولا يحزن } أي ذلك التخيير الذي خبرتك في صحبتهن أقرب إلى رضاهن وأطيب لأنفسهن، وأقل لحزنهن إذا علمن أن ذلك من الله تعالى { ويرضين بما آتيتهن } أي أعطيتهن { كلهن } من تقريب وإرجاء وعزل وإيواء { والله يعلم ما في قلوبكم } أي من أمر النساء إلى بعضهن { وكان الله عليماً } أي مما في ضمائركم { حليماً } أي عنكم.
قوله تعالى { لا يحل لك النساء من بعد } أي من بعد هؤلاء التسع اللاتي اخترنك وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خيرهن فاخترن الله ورسوله شكر الله لهن ذلك وحرم عليه النساء سواهن، ونهاه عن تطليقهن وعن الاستبدال بهن، قاله ابن عباس: واختلفوا هل أبيح له النساء بعد ذلك فروي عن عائشة أنها قالت
"ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء" أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن صحيح، وللنسائي عنها "حتى أحل له أن يتزوج من النساء ما يشاء" وقال أنس "مات رسول الله صلى الله عليه وسلم على التحريم" وقيل لأبي بن كعب لو مات نساء النبي صلى الله عليه وسلم أكان يحل له أن يتزوج قال: وما يمنعه من ذلك قيل له قوله تعالى { لا يحل لك النساء من بعد } قال: إنما أحل له ضرباً من النساء فقال تعالى { يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك } [الأَحزاب: 50] الآية ثم قال { لا تحل لك النساء من بعد } وقيل معنى الآية لا تحل لك اليهوديات ولا النصرانيات بعد المسلمات { ولا أن تبدل بهن من أزواج } أي بالمسلمات غيرهن من الكتابيات، لأنه لا تكون أم المؤمنين يهودية ولا نصرانية إلا ما ملكت يمينك أي من الكتابيات فتسري بهن وقيل في قوله { ولا تبدل بهن أزواج } كانت العرب في الجاهلية يتبادلون بأزواجهم، يقول الرجل للرجل انزل لي عن امرأتك وأنزل عن امرأتي فأنزل الله تعالى { ولا أن تبدل بهن من أزواج } أي تبادل بهن من أزواج أي تبادل بأزواجك غيرك بأن تعطيه زوجتك وتأخذ زوجته فحرم ذلك { إلا ما ملكت يمينك } أي لا بأس أن تبادل بجاريتك ما شئت، فأما الحرائر فلا { ولو أعجبك حسنهن } يعني ليس لك أن تطلق أحد من نسائك، وتنكح بدلها أخرى، ولو أعجبك جمالها، قال ابن عباس: يعني أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب لما استشهد جعفر أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخطبها فنهي عن ذلك { إلا ما ملكت يمينك } قال ابن عباس: ملك بعد هؤلاء مارية { وكان الله على كل شيء رقيباً } أي حافظاً وفي الآية دليل على جواز النظر إلى من يريد نكاحها من النساء، ويدل عليه ما روى عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب أحدكم المرأة فان استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل" أخرجه أبو داود. (م) عن أبي هريرة "أن رجلاً أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً" قال الحميدي: يعني هو الصغر عن المغيرة بن شعبة قال: "خطبت امرأة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم هل نظرت إليها قلت: لا قال فانظر إليها فانه أحرى أن يؤدم بينكما" أخرجه الترمذي: وقال حديث حسن.