التفاسير

< >
عرض

يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَآءَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
٥٧
وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ
٥٨
قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ
٥٩
-المائدة

لباب التأويل في معاني التنزيل

قوله عز وجل: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً } قال ابن عباس: كان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا وكان رجال من المسلمين يوادونهما، فأنزل الله تعالى هذه الآية. ومعنى: اتخذوا دينكم هزواً ولعباً هو إظهارهم الإسلام بألسنتهم قولاً وهم على ذلك يبطنون الكفر ويسرونه { من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } يعني اليهود { والكفار } يعني عبدة الأصنام وإنما فصل بين أهل الكتاب والكفار وإن كان أهل الكتاب من الكفر لأن كفر المشركين من عبدة الأصنام أغلظ وأفحش من كفر أهل الكتاب { أولياء } يعني لا تتخذوهم أولياء والمعنى أن أهل الكتاب والكفار اتخذوا دينكم يا معشر المؤمنين هزواً وسخرية فلا تتخذوهم أنتم أولياء وأنصاراً { واتقوا الله إن كنتم مؤمنين } يعني مؤمنين حقاً لأن المؤمن يأبى موالاة أعداء الله عز وجل.
قوله تعالى: { وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً } قال الكلبي: كان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نادى إلى الصلاة وقام المسلمون إليها، قالت اليهود: قد قاموا لا قاموا وصلوا لا صلوا ويضحكون على طريق الاستهزاء فأنزل الله هذه الآية. وقال السدي: نزلت هذه الآية في رجل من النصارى كان بالمدينة فكان إذا سمع المؤذن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله يقول حرق الكاذب فدخل خادمه ذات ليلة بنار وهو وأهله نيام فطارت منها شرارة فاحترق البيت واحترق هو وأهله. وقيل: إن الكفار والمنافقين كانوا إذا سمعوا حسدوا المسلمين على ذلك فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا محمد لقد أبدعت شيئاً لم يسمع بمثله فيما مضى من الأمم قبلك فإن كنت تدعي النبوة فقد خالفت الأنبياء قبلك ولو كان فيه خير لكان أولى الناس به الأنبياء فمن أين لك صياح كصياح العير فما أقبح هذا الصوت وما أسمج هذا الأمر؟ فأنزل الله عز وجل:
{ ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله } الآية وأنزل { وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً } { ذلك بأنهم قوم لا يعقلون } يعني أن هزؤهم ولعبهم من أفعال السفهاء والجهال الذين لا عقل لهم.
قوله تعالى: { قل يا أهل الكتاب } الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يعني: قل يا محمد لهؤلاء اليهود والنصارى الذين اتخذوا دينك هزواً ولعباً { هل تنقمون منا } وهذا على سبيل التعجب من فعل أهل الكتاب والمعنى هل تجدون علينا في الدين إلا الإيمان بالله وبما أنزل إلينا وبما أنزل على جميع الأنبياء من قبل وهذا ليس مما ينكر أو ينقم منه وهذا كما قال بعضهم:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهنَّ فلول من قراع الكتائب

يعني أنه ليس فيهم عيب إلا ذلك وهذا ليس بعيب بل هو مدح عظيم لهم. قال ابن عباس: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب ورافع بن أبي رافع وعازوراء وزيد وخالد وأزار بن أبي أزار وأشيع فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال: أؤمن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط - إلى قوله - ونحن له مسلمون الآية" فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته، وقالوا: والله لا نؤمن بمن آمن به، فأنزل الله هذه الآية. وقيل: إنهم قالوا والله ما نعلم أهل دين أقل حظاً في الدنيا والآخرة منكم ولا ديناً شراً من دينكم فأنزل الله هذه الآية { قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل } وهذا هو ديننا الحق وطريقنا المستقيم فلم تنقمونه علينا { وأن أكثركم فاسقون } يعني أنما كرهتم إيماننا ونقمتموه علينا مع علمكم بأننا على الحق بسبب فسقكم وإقامتكم على الدين الباطل لحب الرياسة وأخذ الأموال بالباطل وإنما قال أكثركم لأن الله يعلم أن من أهل الكتاب من يؤمن بالله وبرسوله. قوله عز وجل.