التفاسير

< >
عرض

هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٣٠
-يونس

البحر المحيط

هنالك ظرف مكان أي: في ذلك الموقف والمقام المقتضي للحيرة والدهش. وقيل: هو إشارة إلى الوقت، استعير ظرف المكان للزمان أي: في ذلك الوقت. وقرأ الإخوان وزيد بن علي: تتلوا بتاءين أي: تتبع وتطلب ما أسلفت من أعمالها، قاله السدي. ومنه قول الشاعر:

إن المريب يتبع المريبا كما رأيت الذيب يتلو الذيبا

قيل: ويصح أن يكون من التلاوة وهي القراءة أي: تقرأ كتبها التي تدفع إليها. وقرأ باقي السبعة: تبلوا بالتاء والباء أي: تختبر ما أسلفت من العمل فتعرف كيف هو أقبيح أم حسن، أنافع أم ضار، أمقبول أم مردود؟ كما يتعرف الرجل الشيء باختباره. وروي عن عاصم: نبلوا بنون وباء أي: نختبر. وكل نفس بالنصب، وما أسلفت بدل من كل نفس، أو منصوب على إسقاط الخافض أي: ما أسلفت. أو يكون نبلوا من البلاء وهو العذاب أي: نصيب كل نفس عاصية بالبلاء بسبب ما أسلفت من العمل المسيء. وعن الحسن تبلوا تتسلم. وعن الكلبي: تعلم. وقيل: تذوق. وقرأ يحيـى بن وثاب: وردوا بكسر الراء، لمَّا سكن للإدغام نقل حركة الدال إلى حركة الراء بعد حذف حركتها. ومعنى إلى الله إلى عقابه. وقيل: إلى موضع جزائه مولاهم الحق، لا ما زعموه من أصنامهم، إذ هو المتولي حسابهم. فهو مولاهم في الملك والإحاطة، لا في النصر والرحمة. وقرىء الحق بالنصب على المدح نحو: الحمد لله أهل الحمد. وقال الزمخشري: كقولك هذا عبد الله الحق لا الباطل، على تأكيد قوله: ردوا إلى الله انتهى. وقال أبو عبد الله الرازي: وردوا إلى الله، جعلوا ملجأين إلى الإقرار بالإلهية بعد أن كانوا في الدنيا يعبدون غير الله، ولذلك قال: مولاهم الحق. وضل عنهم أي: بطل وذهب ما كانوا يفترونه من الكذب، أو من دعواهم أنّ أصنامهم شركاء لله شافعون لهم عنده.