التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ
٥٧
-يونس

البحر المحيط

قيل: نزلت في قريش الذين سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم أحق هو؟ فالناس هم كفار قريش. وقال ابن عطية: هو خطاب لجميع العالم. ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر الأدلة على الألوهية والوحدانية والقدرة، ذكر الدلائل الدالة على صحة النبوة والطريق المؤدّي إليها وهو القرآن، والمتصف بهذه الأوصاف الشريفة هو القرآن. قال الزمخشري: أي قد جاءكم كتاب جامع لهذه الفوائد من موعظة وتنبيه على التوحيد، هو شفاء أي: دواء لما في صدوركم من العقائد الفاسدة، ودعاء إلى الحق ورحمة لمن آمن به منكم انتهى. ومن ربكم يحتمل أن يتعلق بجاءتكم، فمن لابتداء الغاية. ويحتمل أن يكون في موضع الصفة أي: من مواعظ ربكم، فتتعلق بمحذوف، فمن للتبعيض. وفي قوله: من ربكم تنبيه على أنه من عند الله ليس من عند أحد. قال ابن عطية: وجعله موعظة بحسب الناس أجمع، وجعله هدى ورحمة بحسب المؤمنين، وهذا تقسيم صحيح المعنى إذا تؤوّل بأن وجهه انتهى. وذكر أبو عبد الله الرازي هنا كلاماً كثيراً ممزوجاً بما يسمونه حكمة، نعلم قطعاً أنّ العرب لا تفهم ذلك الذي قرره من ألفاظ القرآن، وطوّل في ذلك، وضرب أمثلة حسية يوقف عليها من تفسيره، ثم قال آخر كلامه: فالحاصل أنّ الموعظة إشارة إلى تطهير ظواهر الخلق عما لا ينبغي وهو الشريعة، والشفاء إشارة إلى تطهير الأرواح عن العقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة وهو الطريقة، والهدى إشارة إلى ظهور نور الحق في قلوب الصديقين وهو الحقيقة، والرحمة إشارة إلى كونها بالغة في الكمال، والإشراق إلى حيث تصير تكمل الناقصين وهي النبوّة. فهذه درجات عقلية ومراتب برهانية مدلول عليها بهذه الألفاظ القرآنية، لا يمكن تأخر ما تقدّم ذكره، ولا تقدم ما تأخر ذكره.