التفاسير

< >
عرض

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
١٨٧
-البقرة

التفسير

قوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ... }.
قال الزمخشري: إن قلت لم كنّى الجماع بالرفث الدال على القبح أي على معنى القبح بخلاف قوله
{ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } وقوله { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ
وأجاب عن ذلك بأن ذلك تقبيح لما صدر منهم قبل الإباحة، كما سماه (اختيانا).
ابن عرفة: والجواب عندي بعكس هذا وهو أنّه مبالغة في الإباحة والتحليل فعبر عنه باللّفظ الصّريح حتى لا يبقى عندهم فيه شك ولا توهم بوجه.
قال ابن عرفة: وعدّي الرفث بإلى لتضمنه معنى الإفضاء.
وقال ابن جني في سر الصناعة في مثل هذا: إنّ الرفث يتعدّى بالباء والإفضاء بإلى فذكر الرّفث ولم يذكر معموله، وذكر معمول الإفضاء ولم يذكر عامله إشعارا بإرادة الجميع وأن الكل مقصود بالذكر.
قوله تعالى: { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ... }.
ابن عرفة: ليس هذا من (النّسب) المتعاكسة مثل: زيد أخوك وأخوك زيد، إذ لا يلزم من كونهنّ لباسا للرّجال أن يكون الرجال لباسا لهن وهذا تأكيد في التحليل.
قوله تعالى: { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ... }.
قال ابن عرفة: هذا من باب القلب مثل كسر الزجاج الحجر لأنّ النفس هي الخائنة قال تعالى
{ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ
} قوله تعالى: { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي ٱلْمَسَاجِدِ... }.
ابن عطية: قال: الإمام مالك/ الاعتكاف إلا في مساجد الجماعات. وروي عنه أن ذلك في كل مسجد.
ابن عطية: وروي عنه أنّ ذلك في كل مسجد من المساجد.
ابن عرفة: لو نذر أن يعتكف فإنه يجزيه عند مالك الاعتكاف في أي مسجد أراد ويخرج به من العهدة وشرط الجامع غير واجب. وكذا قال الشيخ ابن العربي عن الإمام مالك رضي الله عنه.
قوله تعالى: { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ... }.
الإشارة (راجعة) إلى الأحكام أو إلى النواهي المتقدمة.
قوله تعالى: { فَلاَ تَقْرَبُوهَا... }.
نهى عن القرب لحديث
"الراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه" .
قيل لابن عرفة: تقرر أن اتقاء الشبهات غير واجب بل مستحب؟
فقال: هي أقسام: مظنون، ومشكوك فيها، ومتوهمة، فالوهم مرجوح، والظن راجح فينتج وجوب الاجتناب، والشك فيه خلاف (ومحمل النهي) في الآية على تحريم المظنون والمشكوك فيه وقال في الآية الأخرى:
{ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا
}. ابن عرفة: يحتمل أن تكون تلك قبل هذه فنهينا أولا عن تعدي الحدود، ثم نهينا ثانيا عن قربها؛ أو يكون الأمر الأول للعوام والثاني للخواص. وأجاب أبو جعفر الزبير بأن قرب النساء بالمباشرة يدعو إلى المواقعة فقل من يملك نفسه، فنهى عن القرب ونظيره: { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } } { { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ } ولذلك منع المحرم من الطيب. فإن قصد البيان العام الفارق بين الحلال والحرام لم ينه عن المقاربة بل عن التعدي فقط، مثل { ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } الى قوله { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا } فحرم أموالهم على الأزواج بغير حق ما لم يقع نشوزٌ أو ما يمنع عن القيام بحقوقهم.
وأجاب بعضهم بأنّ تلك تقدمها "ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ" وهو أمر مباح، فناسب النهي عن تعديه لا عن قربه، وهذه تقدمها النهي عن المباشرة وهو محرم فناسب النهي عن قربه.
قوله تعالى: { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ... }.
قيل لابن عرفة: هذا يؤخذ منه أن النبي صلى الله عليه وسلم غير مجتهد؟
فقال: الآيات هي القرآن والمعجزات، وأما السنة كلها فلا تسمى آيات.