التفاسير

< >
عرض

كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
٢١٦
-البقرة

التفسير

قوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ... }.
قال ابن عرفة: لفظ الكتب دليل على تأكيد وجوب القتال. والكتب إما حكم الله أو في اللوح المحفوظ أو في القرآن. والجهاد هنا (قيل فرض عين) وقيل فرض كفاية.
قال ابن عرفة: الظاهر أنه فرض (عين) لأنا إذا شككنا في شيء فيحمل على الأكثر. وفرض العين في التكاليف أكثر من فرض الكفاية.
(قيل له: في غير هذا، وأما هنا فلا؟ فقال: هذا محل النزاع، وكان بعضهم يقول: إنه فرض عين في كفاية) فواجب على (جميع) الناس حضور القتال. ويكفي فيه قتال البعض، والحضور فرض عين (والقتال فرض) كفاية كالصلاة في الدار المغصوبة فإنّها فرض في حرام.
قال ابن عرفة: وإذا قلنا: إنّ خطاب المواجهة يعم ولا يخص، فنقول: الأمر للحاضر والغائب وغلب فيه المخاطب. والأمر للحاضرين ويتناول الغائب (بالقياس) عليه من باب (لا فارق).
قوله تعالى: { وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ... }.
الضمير عائد على القتال إما (لقربه) وإما لأنه إنما يعود على (الكتب) باعتبار متعلقه لأنهّم لايكرهون الكتاب لذاته. والكراهة هنا ليست بمعنى البغض بل بمعنى النفور منه وصعوبته على النفس كصعوبة الوضوء في زمن البرد فيكرهه المكلف كذلك لا أنه يبغضه.
قوله تعالى: { وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ... }.
قال أبو حيان: عسى الأول للإشفاق والثانية للرجاء.
قال ابن عرفة: المناسب العكس، فإن المستقبل في الأولى خير وانتظاره رجاء، والمستقبل في الثانية شر فانتظاره إشفاق وخوف.
قيل لابن عرفة: إنما المعتبر ما دخلت عليه (أن)؟
فقال: نعم لكن بصفته وقيده، والأول مقيد بأنه (يعقبه خير، والثاني مقيد بأنه يعقبه الشر.
قيل لابن عرفة: المستقبل غير معلوم للانسان وإنّما يعلم الحاضر فيعسر عليه المستقبل فإن كان الحاضر خيرا ترجّى دوامه وإن كان شرا أشفق وخاف من دوامه.
قال أبو حيان: وكل عسى في القرآن للتحقيق يعنون به الوقوع إلا قوله عز وجل
{ عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ
}. قال ابن عرفة: بل هي أيضا للتّحقيق لما تقدم من أنّ القضية الشرطية تقتضي صحّة ملزومية الجزاء للشرط ولا تقتضي الثبوت والوقوع، والقضية الحملية تقتضي الثبوت والوقوع أو بفهم الوقوع في (الآية) باعتبار (المتكلم) بهذا الشرط والرجاء واقع من الله تعالى.
قوله تعالى: { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }.
قال ابن عرفة: الآية تدل على أن جميع الأحكام الشرعية تعلل، وذلك أنهم اختلفوا في التعبدات فذهب جماعة منهم الشيخ الهمام عز الدين ابن عبد السلام إلى أنّها الأحكام (التي لاتدرك لها علة، وفي بعض كلام ابن رشد وكلام المتقدمين ما يدل على أنها الأحكام) التي لا علة لها، والآية تقتضي أنّ الأحكام كلّها لاتكون إلا لمصلحة لأنّها خرجت مخرج (التّبيين) على كمال المبادرة إلى امتثال الأحكام الشرعية فدل على أن المراد والله أعلم ما في ذلك من المصلحة وَأنتُمْ لاَ تَعْلَمونها. فعليكم أن تأخذوها بالقبول.
وقوله: وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ: قال ابن عرفة: يصح أن يكون في موضع الحال.
قيل له: علمنا حادث لا يُجامع علم الله القديم؟
فقال: هي حال مقدرة والتحقيق أنّا إن جعلنا الجملة في موضع الحال تكون سالبة تقتضي وجود الموضوع، وبقي في الآية أنّ الزمخشري قال في { وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ } إما مصدر من الكراهة أو أنه بمعنى بمعنى المكروه مثل (الخبز) بمعنى (المخبوز).
وقرىء: "كَرْهٌ" بالفتح على أنه بمعنى (المضموم) كالضعف والضعف.
قال ابن عرفة: وقال القاضي أبو الفضل عياض في تنبيهاته: الوضوء بالضم هو الفعل وبالفتح اسم الماء، وقيل: بالعكس. قال: فيجيء هنا كذلك.
قيل لابن عرفة: هذا قياس في اللّغة فلا يجوز؟ فقال: إنما هو (إجراء) لا قياس.