التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٥
إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ
٦
إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ
٧
أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٩
-يونس

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَاءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً... } الآية: هذا استمرارٌ على وَصْف آياته سبحانه، والتنْبيه على صنعته الدَّالة علَى وحدانيته، وعظيم قُدْرته.

وقوله: { قَدَّرَهُ مَنَازِلَ }: يحتمل أنْ يعود الضمير على «القمر» وحده؛ لأنه المراعَى في معرفة عَدَدِ السِّنينَ والحِسَابِ عنْد العرب، ويحتمل أنْ يريدَ الشَّمْسَ والقَمَرَ معاً، لكنه ٱجتزأ بذكْر أَحدهما؛ كما قال: { { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [التوبة:62].

وقوله: { لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } أيْ: رفقاً بكم، ورَفعاً للالتباس في معايشِكُم وغير ذلك مما يُضْطَرُّ فيه إلى معرفة التواريخ.

وقوله: { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }: إِنما خصهم، لأن نَفْعَ هذا فيهم ظَهَرَ.

وقوله سبحانه: { إِنَّ فِي ٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ... } الآية: آية ٱعتبارٍ وتنبيهٍ، والآياتُ: العلامات، وخصَّص القوم المتَّقين؛ تشريفاً لهم؛ إِذ ٱلاعتبارُ فيهم يقع، ونسبتهم إِلَى هذه الأشياء المَنْظُور فيها أَفْضَلُ مِنْ نسبة مَنْ لم يَهْتَدِ ولا ٱتَّقى.

وقوله سبحانه: { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا... } الآية: قال أبو عُبَيْدة وغيره: { يَرْجُونَ }، في هذه الآية: بمعنى يخافُون؛ وٱحتجُّوا ببَيْتِ أَبي ذُؤَيْبٍ: [الطويل]

إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَاوَحَالَفَهَا فِي بَيْتِ نُوبٍ عَوَامِلِ

وقال ابن سِيدَه والفرّاء: لفظة الرَّجاءِ، إِذا جاءَتْ منفيَّةً، فإِنها تكونُ بمعنى الخَوْفِ، فعَلَى هذا التأويل معنى الآية: إِنَّ الذين لا يخافون لقاءنا، وقال بعض أهل العلم: الرجاءُ، في هذه الآية: على بابه؛ وذلك أن الكافر المكذِّب بالبعث لا يُحْسِنُ ظَنًّا بأنه يَلْقَى اللَّه، ولا له في الآخرة أمَلٌ؛ إِذ لو كان له فيها أَمَلٌ؛ لقارنه لا محالة خَوْفٌ، وهذه الحالُ من الخَوْفِ المقارِنِ هي القائِدَةُ إِلى النجاة.

قال * ع *: والذي أقُولُ به: إنَّ الرجاء في كلِّ موضع هو علَى بابه، وأنَّ بيت الهُذَلِيِّ معناه: لَمْ يَرْجُ فَقَدْ لَسْعِهَا، قال ابن زَيْد: هذه الآية في الكُفَّار.

وقوله سبحانه: { وَرَضُواْ بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا }: يريد: كَانَتْ مُنتَهى غرضهم، وقال قتادة في تفسير هذه الآية: إِذا شئْتَ رأَيْت هذا الموصُوفَ صاحِبَ دنيا، لها يغضبُ، ولها يرضَى، ولها يفرح، ولها يهتَمُّ ويحزن، فكأَنَّ قتادةَ صَوَّرها في العصاةِ، ولا يترتب ذلك إِلا مع تأوُّل الرَّجَاءِ على بابه؛ لأن المؤمِنَ العاصِيَ مستَوْحِشٌ من آخرته، فأما على التأويلِ الأول، فمن لا يخافُ اللَّه، فهو كَافِرٌ.

وقوله: { وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا }: تكميلٌ في معنى القناعةِ بها، والرفْضِ لغيرها.

وقوله: { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَـٰتِنَا غَـٰفِلُونَ }: يحتمل أنْ يكون ٱبتداءَ إِشارةٍ إِلى فرقةٍ أُخرَى، ثم عقَّب سبحانه بذكْر الفرقة الناجيَةِ، فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحٰتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم... } الآية، الهدايةُ في هذه الآية تحتملُ وجْهين:

أحدهما: أن يريد أنَّه يديمهم ويثبِّتهم.

الثَّانِي: أنْ يريد أنه يرشدُهم إِلى طريق الجِنانِ في الآخرة.

وقوله: { إِيمَـٰنِهِمْ } يحتملُ أَنْ يريد: بسبب إِيمانهم، ويحتمل أن يكونَ الإِيمانُ هو نَفْس الهُدَى، أيْ، يهديهم إِلى طريق الجنة بنور إِيمانهم. قال مجاهد: يكون لهم إِيمانُهم نوراً يمشُونَ به، ويتركَّب هذا التأويل، على ما رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَّ العَبْدَ المُؤْمِنَ، إِذَا قَامَ مِنْ قَبْرِهِ لِلْحَشْرِ تَمَثَّلَ لَهُ رَجُلٌ جَمِيلُ الوَجْهِ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ فَيَقُودُهُ إِلَى الجَنَّةِ، وبعَكْسِ هذا في الكَافِرِ" ، ونحو هذا مما أسنده الطبري وغيره.