التفاسير

< >
عرض

فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ
٩٤
وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٩٥
إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ
٩٦
وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ
٩٧
-يونس

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله عز وجل: { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ... } الآية: الصوابُ في معنى الآية: أنها مخاطبةٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، والمراد بها سِوَاهُ مِنْ كُلِّ من يمكِنُ أن يشُكَّ أو يعارِض.

* ت *: ورُوينَا عن أبي داود سُلَيْمَانَ بْنِ الأَشْعَثِ، قال: حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قال: حدَّثنا يزيدُ بن هَارُونَ، قال: حدَّثنا محمَّد بنِ عَمْرٍو، عن أَبي سَلَمَةَ، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: "المِرَاءُ في القُرْآنِ كُفْرٌ" ، قال عِيَاض في «الشفا»: تأول بمعنى «الشك»، وبمعنى «الجِدَال». انتهى.

{ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكَ }: من أسلم من أهْلِ الكتاب، كٱبْنِ سَلاَمٍ وغيره، وروي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال لَمَّا نزَلَتْ هذه الآية: « أَنَا لاَ أَشُكُّ وَلاَ أَسْأَلُ»، ثم جزم سبحانه الخَبَر بقوله: { لَقَدْ جَاءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ }، واللام في «لَقَدْ» لامُ قَسَم.

وقوله: { مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ } يريد به: من أَن بني إِسرائيل لم يختلفوا في أمْره إِلا مِنْ بعد مجيئهِ عَلَيْه السلام؛ هذا قول أهل التأويل قاطبة.

قال * ع *: وهذا هو الذي يشبه أنْ تُرْجَى إِزالةُ الشَّكِّ فيه مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الكتاب، ويَحتملُ اللفظُ أَنْ يريد بـــ { مَا أَنزَلْنَا } جميعَ الشرع.

* ت *: وهذا التأويلُ عندي أُبَيْنُ إِذَا لُخِّص، وإِن كان قد ٱستبعده * ع *: ويكون المراد بـــ { مَا أَنزَلْنَا }: مَا ذكره سبحانه من قصصهم، وذِكْرِ صفته عليه السلام، وذكْرِ أنبيائهم وصِفَتِهم وسيرهم وسائِرِ أخبارهم الموافِقَةِ لِمَا في كتبهم المنزَّلة على أنبيائهم؛ كالتوراة والإِنجيل والزَّبُور والصُّحُف، وتكون هذه الآية تَنْظُر إِلى قوله سبحانه: { { مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ... } [يوسف:111]، فتأمَّله، واللَّه أعلم.

وأما قوله: هذا قولُ أهْل التأويل قاطبةً، فليس كذلكَ، وقد تكلَّم صاحب «الشفا» على الآية، فأحْسَنَ، ولفظهُ: واختلف في معنى الآية، فقيلَ: المرادُ: قُلْ يا محمَّد للشاكِّ: { إِن كُنتَ فِي شَكٍّ... } الآية، قالوا: وفي السورة نَفْسِهَا ما دلَّ على هذا التأويل، وهو قوله تعالى: { { قُلْ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي... } الآية [يونس:104]، ثم قال عياضٌ: وقيل: إِن هذا الشكَّ: الذي أُمِرَ غَيْرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بسؤالِ الذين يقرؤون الكتاب عنه، إِنما هو في ما قصَّهُ اللَّه تعالى من أخبار الأمم، لا فيما دعا إِلَيْه من التوحيد والشريعة. انتهى.

وقوله سبحانه: { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ... } الآية: مما خوطِبَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم، والمراد سواه.

قال * ع *: ولهذا فائِدةٌ ليست في مخاطبة الناس به، وذلك شدَّة التخويفِ؛ لأنه إِذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُحَذَّرُ مِنْ مثل هذا، فغيره من النَّاسِ أَوْلَى أَن يحذَّر ويتقى على نفسه.

وقوله سبحانه: { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ }: أي: حقَّ عليهم في الأزل وخلقهم لعذابه { لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ } إِلا في الوقت الذي لا يَنْفَعهم فيه الإِيمان؛ كما صنع فرعون وأشباهه، وذلك وقتُ المُعَايَنَةِ.