التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
١١٣
وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ
١١٤
وَٱصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ
١١٥
-هود

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ... } الآية: الرُّكُون: السُّكون إِلى الشيْء، والرضا به، قال أبو العالية: الركُونُ: الرِّضَا. قال ابنُ زَيْد: الرُّكُون: ٱلادِّهان.

قال * ع *: فالركون يقع على قليلِ هذا المعنَى وكثيرِهِ، والنهْيُ هنا يترتَّب من معنى الركُونِ على المَيْلِ إِلَيهم بالشِّرْك معهم إِلى أقلِّ الرُّتَبِ مِنْ ترك التَّغْيير عليهم مع القُدْرة، و{ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } هنا: هم الكَفَرَة، ويدخُلُ بالمعنى أَهْلُ المعاصي.

وقوله سبحانه: { وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ... } الآية: لا خلاف أنَّ { ٱلصَّلَوٰةَ } في هذه الآية يرادُ بها الصلواتُ المفروضةُ، واختلفَ في طرفَيِ النَّهار وزُلَفِ اللَّيْل، فقيل: الطَّرَف الأوَّل: الصُّبْح، والثَّاني: الظُّهْر والعَصْر، والزُّلَف: المغرب والعشاء؛ قاله مجاهد وغيره، "وروي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ فِي المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ:هُمَا زُلْفَتَا اللَّيْلِ" وقيل: الطَرَفُ الأوَّل: الصبحُ، والثاني: العصر؛ قاله الحسن وقتادة، والزُّلَف: المغرب والعشاء، وليست الظهر في هذه الآية على هذا القول، بل هي في غيرها.

قال * ع *: والأول أحسن الأقوالِ عِنْدِي، ورجَّح الطبريُّ القوْلَ بأن الطرفين الصُّبْح والمغرب، وهو قول ابن عبَّاس وغيره، وإِنه لظاهر، إِلا أن عموم الصلوات الخمْسِ بالآية أَولَى، والزّلَف: الساعاتُ القريبُ بعضُها من بَعْضٍ.

وقوله تعالى: { إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَـٰتِ }، ذهب جمهورُ المتأوِّلين من صَحَابَةٍ وتابعينَ إِلى أن الحسناتِ يرادُ بها الصَلواتُ الخَمْسُ، وإِلى هذه الآية ذهَبَ عثْمانُ رضي اللَّه عنه في وضوئه على المَقَاعِدِ، وهو تأويلُ مالك، وقال مجاهد: { ٱلْحَسَنَـٰتِ }: قول الرجُلِ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ للَّهِ، وَلاَ إِلٰهَ إِلاَّ اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ.

قال * ع *: وهذا كلُّه إِنما هو على جهة المِثَالِ في الحسنات، ومِنْ أجل أنَّ الصلواتِ الخمْسَ هي معظَمُ الأعمال، والذي يظهر أنَّ لفظ الآية عامٌّ في الحسنات، خاصٌّ في السيئات؛ بقوله عليه السلام: « مَا ٱجْتُنِبَتِ الكَبَائِرُ »، وروي "أنَّ هذه الآية نزلَتْ في رجلٍ من الأنصار، وهو أبو اليُسْرِ بْنُ عَمْرو، وقيل: اسمه عَبَّاد، خَلاَ بامرأةٍ، فقَبَّلها، وتلذَّذ بها فيما دُونَ الجِمَاع، ثم جاء إِلى عُمَر، فشكا إِليه، فقال له: قَدْ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَٱسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ، فَقَلِقَ الرجُلُ، فجاء أبا بَكْر، فشكا إِليه، فقال له مثْلَ مقالةِ عُمَرَ، فَقَلِقَ الرجُلُ، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى معه، ثم أخبره، وقال: ٱقْضِ فيَّ ما شِئْتَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَعَلَّهَا زَوْجَةُ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟! قَالَ: نَعَمْ، فَوَبَّخَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: مَا أَدْرِي ، فنزلَتْ" هذه الآية، فَدَعَاهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَتَلاَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَهَذَا لَهُ خَاصَّةً؟ فَقَالَ: « بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةً

». قال ابنُ العربيِّ في «أحكامه»: وهذا الحديثُ صحيحٌ، رواه الأئمةِ كلُّهم، انتهى.

قال * ع *: ورُوِيَ: أن الآية قدْ كَانَتْ نزلَتْ قبْلَ ذلك، واستعملها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في ذلك الرَّجُل، وروي أنَّ عمر قال مَا حُكِيَ عن معاذٍ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: "الجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، وَالصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهَا؛ إِنِ ٱجْتُنِبَتِ الكبائر" .

وقوله: { ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ }: إِشارة إِلى الصلوات، أي: هي سببُ الذكْرَى، وهي العظَةُ، ويحتملُ أنْ تكونَ إِشارةً إِلى الإِخبار بأن الحسناتِ يُذْهِبْنَ السيئَاتِ.

ويحتملُ أنْ تكون إِشارةً إِلى جميعِ ما تقدَّم من الأوامر والنواهِي والقَصَص في هذه السُّورة، وهو تفسيرُ الطبريُّ.