التفاسير

< >
عرض

وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ
٦٧
كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ
٦٨
وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ
٦٩
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ
٧٠
وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ
٧١
قَالَتْ يَٰوَيْلَتَىٰ ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ
٧٢
قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ
٧٣
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ
٧٤
-هود

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

{ وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ }: قال أبو البقاء: في حَذْف التاءِ من «أخذ» ثلاثةُ أَوْجُهٍ:

أحدها: أنه فَصَلَ بين الفعل والفاعل.

والثاني: أن التأنيثَ غير حقيقيٍّ.

والثالث: أن الصيْحَة بمعنى الصِّيَاحِ، فحُمِلَ على المعنى، انتهى.

وقد أشار * ع *: إِلى الثلاثَة، واختار الأخير.

وقوله سبحانه: { وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَٰهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ }: الرسُلُ: الملائكة، قال المَهْدوِيُّ: { بِٱلْبُشْرَىٰ } يعني: بالولدِ، وقيل: البُشْرَى بهلاك قومِ لوطٍ انتهى.

{ قَالُواْ سَلاَماً }: أي: سلَّمنا عليك سلاماً، وقرأ حمزة والكسائي: «قَالُوا سَلاَماً قالَ سِلْمٌ»، فيحتمل أنْ يريد بـــ «السِّلْمِ» السلامَ، ويحتمل أن يريد بـــ «السِّلْم» ضدَّ الحرب، و{ حَنِيذٍ }: بمعنى: محنوذ، ومعناه: بعجْلٍ مشويٍّ نَضِجٍ، يقْطُر ماؤه، وهذا القَطْر يفصلُ الحَنيذَ من جملة المشويَّات، وهيئة المحنُوذِ في اللغة:الذي يُغَطَّى بحجارةٍ أو رَمْلٍ مُحَمًّى أو حائل بينه وبيْن النَّار يغطى به، والمُعَرَّض: من الشِّواء الذي يُصَفَّف على الجَمْر، والمُضَهَّبِ: الشِّوَاءُ الذي بينه وبين النَّار حائلٌ، ويكون الشِّواء عليه، لا مَدْفُوناً به، والتَّحُنِيذُ في تضمير الخَيْل: هو أنْ يغطَّى الفَرَس بِجِلٍّ على جُلٍّ؛ ليتصبَّب عَرَقُه، و{ نَكِرَهُمْ } على ما ذكر كثيرٌ من النَّاس، معناه: أَنْكَرهم { وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً }؛ من أجْل ٱمتناعهم من الأكل؛ إِذ عُرْفُ مَنْ جاء بِشَرٍّ أَلاَّ يأْكل طعامَ المنْزُولِ به، قال ابنُ العربيِّ في «أحكامه»: ذهب الليثُ بْنُ سَعْدٍ إِلى أَنَّ الضِّيَافَةَ واجِبَةٌ، لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخَرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، ومَا وَرَاءَ ذَلِكَ صَدَقَةٌ" ، وفي رواية: "ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يثوي عنْدَهُ حتَّى يُحْرِجَهُ" وهذا حديثٌ صحيحٌ، خرَّجه الأئمةِ، واللفظ للترمذيِّ، وذهب علماء الفقْه إِلى: أن الضيافة لا تجبُ، وحملوا الحديثَ على النَّدْب.

قال ابنُ العربيِّ: والذي أقولُ به أن الضيافَةَ فَرْضٌ على الكفَايَةِ، ومِنَ الناسِ مَنْ قال: إِنها واجبةٌ في القُرَى حيثُ لا مَأْوَى ولا طَعَام؛ بخلاف الحواضِرِ؛ لتيسُّر ذلك فيها.

قال ابنُ العربيِّ: ولا شكَّ أن الضيْفَ كريمٌ، والضِّيافة كرامَةٌ، فإِن كان عديماً، فهي فريضةٌ انتهى، و{ أَوْجَسَ } معناه: أحس والتوجيسُ: ما يعتري النفْسَ عنْد الحَذَرِ، وأوائلِ الفَزَعِ.

وقوله سبحانه: { فَضَحِكَتْ } قال الجمهور: هو الضَّحِكُ المعروفُ، وذكر الطبري أن إِبراهيم عليه السلام لَمَّا قَدَّم العجْل، قالوا له: إِنَّا لا نأكل طعاماً إِلاَّ بثمنٍ، فقال لهم: ثمنُهُ: أنْ تذْكُروا اللَّه تعالَى عليه في أَوَّله، وتَحْمَدوه في آخره، فقال جبريلُ لأصحابه: بحَقٍّ ٱتَّخَذَ اللَّهُ هَذَا خَلِيلاً، ثم بَشَّر الملائكةُ سَارَّة بإِسحاق، وبأَنَّ إِسحاقَ سَيَلِدُ يعقُوبَ، ويسمَّى ولَدُ الوَلَد وراء، وهو قريبٌ من معنى «وراء» في الظرف، إِذ هو ما يكونُ خَلْف الشيء وبَعْده.

وقال * ص *: «وراء»؛ هنا: استعمل غَيْرَ ظرفٍ، لدخولِ «مِنْ» عليه، أي: ومِنْ بَعْدِ إِسحاق. انتهى.

وقولها: { يَٰوَيْلَتي }: الألفُ بَدَلٌ من ياء الإِضافة، أصلها: يَا وَيْلَتِي، ومعنى: «يَا وَيْلَتَا» في هذا الموضع: العبارةُ عَمَّا دَهَمَ النَّفْسَ من العَجَبِ في ولادةِ عَجُوزٍ، و{ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ }: واحدُ الأمور.

وقوله سبحانه: { رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَـٰتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ }: يحتمل أنْ يكون دعاءً، وأنْ يكون خبراً.

* ص *: ونصبُ { أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } على النداءِ أو على ٱلاختصاص، أو على المَدْحِ، انتهى. وهذه الآية تعطي أَنَّ زوجة الرجل مِنْ أَهْلِ بيتِهِ.

* ت *: وهي هُنَا منْ أهْل البيت على كلِّ حال، لأنها من قرابَتِهِ، وٱبْنَة عَمِّه، و«الْبَيْتُ»، في هذه الآية، وفي «سورة الأحزاب» بيتُ السكْنَى.

وقوله: { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَٰهِيمَ ٱلرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ يُجَـٰدِلُنَا }: أي: أخذ يُجادِلُنا «في قومِ لوطٍ».