التفاسير

< >
عرض

كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ
٩٥
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٩٦
إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ
٩٧
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ
٩٨
وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ
٩٩
-هود

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا... } الآية: { يَغْنَواْ }: معناه: يقيمون بِنَعْمَةٍ وخَفْضِ عيشٍ؛ ومنه المَغَانِي، وهي المنازلُ المعمورةِ بالأهْل، وضمير «فيها» عائد على الديار.

وقوله: { بُعْدًا }: مصدرٌ دعا به؛ كقولك: سُحْقاً للكافرين، وفارَقَتْ هذه قولَهُمْ: { { سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ } [النحل:32]؛ لأن { بُعْدًا } إِخبارٌ عن شيء قد وَجَب وتحصَّل، وتلك إِنما هي دعاء مرتجى، ومعنى البُعْد في قراءة: «بَعِدَتْ» - بكسر العين -: الهلاكُ، وهي قراءة الجمهور؛ ومنه قول خِرْنِقَ بِنْتِ هَفَّانَ: [الكامل]

لاَ يَبْعَدَنْ قَوْمِي الَّذِينَ هُمُسُمُّ الْعُدَاةِ وآفَةُ الجُزْرِ

ومنه قولُ مالكِ بْنِ الرَّبيعِ: [الطويل]

يَقُولُونَ لاَ تَبْعَدْ وَهُمْ يَدْفِنُوننِيوَأَيْنَ مَكَانُ الْبُعْدِ إِلاَّ مَكَانِيَا

وأما من قرأ: «بَعُدَتْ»، وهو السُّلَمِيُّ وأبو حَيْوَةَ فهو من البُعْدِ الذي هو ضدُّ القُرْب، ولا يُدْعَى به إِلا على مبغوضٍ.

قال * ص *: وقال ابْنُ الأنباريِّ: من العرب مَنْ يُسَوِّي بين الهلاكِ والبُعْدِ الَّذي هو ضِدُّ القُرْب، فيقولون فيهما: بَعُدَ يَبْعُدُ، وبَعِدَ يَبْعَدُ. انتهى.

وقوله سبحانه: { فَٱتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ }: أي: وخالفوا أمْرَ موسَى، { وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ }، أي: بمرشِدٍ إِلى خير.

وقال * ع *: { بِرَشِيدٍ }: أي: بمصيب في مَذْهَبِهِ { يَقْدُمُ قَوْمَهُ }: أي: يقدمهم إِلى النار، و { ٱلوِرْدُ }، في هذه الآية: هو ورودُ دُخُولٍ.

قال * ص *: والـــ { ٱلوِرْدُ }: فاعلُ «بِئْسَ»، و{ ٱلمَوْرُودُ }: المخصُوصُ بالذَّمِّ، وفي الأول حذْف، أيْ: مَكانُ الورْد، ليطابق المخصُوصَ بالذَّمِّ.

وجوَّز * ع *: وأبو البقاءِ أنْ يكونُ «المَوْرُود» صفةً لمكان الوِرْدِ، والمخصوص محذوفٌ، أي: بِئسٍ مكانُ الوِرْدِ المورودُ النارُ، و«الوِرْد»: يجوز أنْ يكون مصْدراً بمعنى الوُرُود، أو بمعنى الوَارِدَة من الإِبل، وقيل: الوِرْد: بمعنى الجَمْعِ للوَارِدِ، والمَوْرُود: صفةٌ لهم، والمخصُوصُ بالذمِّ ضميرٌ محذوف، أي: بئس القوم المَوْرُود بهم هُمْ، انتهى.

{ وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً }: يريد: دارَ الدنيا.

وقوله: { بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ } أي: بِئسَ العطاءُ المعطَى لهم، وهو العذابُ، والرِّفْدُ في كلام العرب: العطيَّة.