التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّيۤ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ
٤٣
قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ
٤٤
وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ
٤٥
-يوسف

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرٰتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ }: روي أنه قال: رَأَيْتُهَا خَارجةً من نَهْرٍ، وخرجَتْ وراءَها سَبْعٌ عِجاف، فأكلَتْ تلك السِّمان، وحَصَلَتْ في بطونها، ورأى السنابلَ أيضاً؛ كما ذكر، و«الــ { عِجَافٌ }: التي بَلَغَتْ غايةَ الهُزَال، ثم قال لحاضريه: { يَٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيَـٰيَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ }، وعبارة الرؤية: مأخوذة منْ عَبْرِ النَّهْرِ، وهو تجاوزه مِنْ شَطٍّ إِلى شَطِّ، فكأنَّ عابر الرؤيا يَنْتَهِي إِلى آخر تأويلها.

قال * ص *: وإِنما لم يضفْ «سبع» إِلى عِجَافٍ؛ لأنَّ اسم العدد لا يضاف إِلى الصفة إِلا في الشِّعْرِ، انتهى.

وقولهُ سبحانه: { قَالُواْ أَضْغَـٰثُ أَحْلاَمٍ... } الآية: «الضِّغْثِ»؛ في كلام العرب: أقَلُّ من الحُزْمة، وأكثَرُ من القَبْضة من النباتِ والعُشْبِ ونحوه، وربَّما كان ذلك مِنْ جنْسٍ واحدٍ، وربما كان من أخْلاَط النباتِ، والمعنى: أنَّ هذا الذي رأَيْتَ أيها الملكُ ٱختلاطٌ من الأحلامِ بسَبَبِ النوم، ولسنا من أهْلِ العلْمِ بما هو مختلطٌ ورديءٌ، والــ { أَحْلاَمٍ }: جمع حُلْم، وهو ما يخيَّل إِلى الإِنسان في منامه، والأحلام والرؤيا ممَّا أثبتَتْه الشريعةُ، وقال رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَهِيَ مِنَ المُبَشِّرَةِ وَالحُلْمُ المُحْزِنُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ مَا رَأَيْتُ، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ" . وما كان عن حديث النفْسِ في اليقظة، فإِنه لا يلتفت إِليه، ولما سمع الساقي الذي نجا هذه المقالَةَ من المَلِكِ، ومُرَاجَعَةَ أصحابه، تذكَّر يوسُف، وعلْمَهُ بالتأويل، فقال مقالَتَه في هذه الآية، { وَٱدَّكَرَ }: أصله: «ٱذْتَكَرَ» من الذِّكْرِ، فقلبتِ التاء دالاً، وأدغم الأول في الثاني، وقرأ جمهور الناس: «بَعْدَ أُمَّةٍ»، وهي المدَّة من الدهر، وقرأ ابن عباس وجماعة: «بَعْدَ أَمَةٍ»، وهو النسيانُ، وقرأ مجاهد وشبل: «بَعْدَ أَمْةٍ» - بسكون الميم -، وهو مصْدَرٌ من «أَمِهَ»؛ إِذا نَسِيَ، وبقوله: { ٱدَّكَرَ } يقوِّي قول من قال: إِن الضمير في «أنساه» عائدٌ على الساقي، والأمر محتمل، وقرأ الجمهور: «أَنا أُنَبِّئُكُمْ»، وقرأ الحسن بْنُ أَبي الحسن: «أَنَا آتِيكُمْ»، وكذلك في مُصْحَف أُبيٍّ.

وقوله: { فَأَرْسِلُونِ }: ٱستئْذان في المُضِيِّ.