التفاسير

< >
عرض

وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ
١٥
قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ وَٱلنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ
١٦
أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ
١٧
لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ
١٨
-الرعد

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ... } الآية: تنبيهٌ على قدرته وعظمته سبحانه، وتسخيرِ الأشياءِ له، والطَّعْنِ على الكفَّار التارِكِينَ للسُّجود، و{ مَن }: تَقَعُ على الملائكةِ عموماً، و«سُجُودُهُمْ»: طوع، وأما أهْلُ الأرض، فالمؤمنون داخلُونَ في { مَن }، وسجودُهم أيضاً طَوْع، وأما سجودُ الكَفَرة، فهو الكَرْه، وذلك على معنيين، فإِن جعلنا السجُودَ هذه الهيئة المعهودَةَ، فالمراد من الكَفَرَة مَنْ أسلم، خَوْفَ سيفِ الإِسلام؛ كما قاله قتادة، وإِن جعلنا السُّجود الخضُوعَ والتذلُّل، حَسَب ما هو في اللغة، فيدخلُ الكفَّار أجمعون في { مَن }؛ لأنه ليس من كافرٍ إِلا ويلحقه من التذلُّل وٱلاستكانة لقدرة اللَّه تعالى أنواعٌ أكثر من أنْ تحصَى بحسب رَزَايَاهُ، وٱعتباراتِهِ.

وقوله سبحانه: { وَظِلَـٰلُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلأَصَالِ }: إِخبار عن أَنَّ الظِّلال لها سُجُودٌ للَّه تعالى؛ كقوله تعالى: { { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَـٰلُهُ } [النحل:48]، وقال مجاهد: ظلُّ الكافر يسجُدُ طوعاً، وهو كاره ورُوِيَ أن الكافر إِذا سَجَد لصنمه، فإِن ظلَّه يسجُدُ للَّهِ حينئذٍ، وباقي الآية بيِّن، ثم مَثَّل الكفَّار والمؤمنين بقوله: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ }، وشبه الكافر بالأعمى، والكُفْرَ بالظلماتِ، وشبه المؤمنَ بالبصيرِ، والإِيمان بالنور.

وقوله سبحانه: { قُلِ ٱللَّهُ خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ }: لفظ عامٌّ يراد به الخصوصُ؛ كما تقدم ذكره في غير هذا الموضع.

وقوله سبحانه: { أَنزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَاءِ مَآءً }: يريد به المَطَرَ، { فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا }: «الأودية»: ما بين الجبالِ مِنَ ٱلانخفاضِ والخَنَادِقِ، وقوله: { بِقَدَرِهَا }: يحتمل أنْ يريد بما قُدِّرَ لها من الماءِ، ويحتمل أنْ يريد بقَدْر ما تحمله على قَدْر صغرها وكِبَرها.

* ت *: وقوله: { فَٱحْتَمَلَ } بمعنى: حَمَلَ، كٱقْتَدَرَ وقَدَرُ. قاله * [ص] *.

و{ ٱلزَّبَدُ } ما يحمله السيْلُ من غُثَاء ونحوه، و«الرابِي»: المنتفخ الذي قَدْ ربا، ومنه الرَّبْوَة.

وقوله سبحانه: { وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَـٰعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ }: المعنَى: ومن الأشياء التي توقِدُونَ عليها ابتغاءَ الحُلِيِّ، وهي الذَهَبُ والفضَّة، أو ٱبتغاء ٱلاستمتاعِ بها في المرافِقِ، وهي الحديدُ والرَّصَاصُ والنُّحَاسُ ونحوها من الأشياء التي تُوقِدُونَ عليها، فأخبر تعالَى أنَّ من هذه أَيضاً إِذا أحمي علَيْها يكونُ لها زَبَدَ مماثِلٌ للزَّبَد الذي يحملُه السَّيْل، ثم ضرب سبحانه ذلك مثَلاً للحقِّ والباطِلِ، أي: إِن الماء الذي تشربه الأرْضُ من السيل، فيقَعُ النفْعُ به هو كالحَقِّ، والزَّبَد الذي يخمد وينفش ويَذْهَب هو كالبَاطِلِ، وكذلك ما يخلص من الذَّهَبَ والفضَّة والحديد ونحوه هو كالحَقِّ، وما يذهَبُ في الدُّخَان هو كالبَاطِلِ.

وقوله: { جُفَاءً }: مصدر من قولهم: «أَجْفَأَتِ القدْرُ» إِذا غلَتْ حتى خَرَجَ زَبَدُها وذهب.

وقال * ص *: { جُفَاءً }: حال، أي: مضمحلاًّ متلاشياً، أبو البقاء: وهمزته منقلبة عن واوٍ، وقيل: أصل. انتهى.

وقوله: { مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ }: يريد الخالِصَ من الماء ومِنْ تلك الأحجار.

وقوله سبحانه: { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ }: ابتداءُ كلامٍ، و{ ٱلْحُسْنَىٰ }: الجنة.{ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ }: هم الكَفَرة، و{ سُوءُ الحِسَابِ }: هو التقصِّي على المحاسَب، وأَلاَّ يقع في حسابِهِ من التجاوُزِ شَيْءٌ؛ قاله شَهْرُ بن حَوْشَبٍ والنَّخَعِيُّ وَفَرْقَدٌ السَبَخِيُّ وغيرهم.