التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ
١٢١
يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ
١٢٢
وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ
١٢٣
وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ
١٢٤
-البقرة

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ آتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ... } الآية: قال قتادة: المراد بـ «الَّذِينَ» في هذا الموضع: مَنْ أَسْلَمَ من أمَّةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والكتابُ علَىٰ هذا: التأويل القرآن، وقال ابنُ زَيْد: المراد مَنْ أسلم من بني إِسرائيل، والكِتَابُ؛ على هذا التأويلِ: التوراةُ، و { ءَاتَيْنَـٰهُمُ }: معناه: أعطيناهم، و { يَتْلُونَهُ }: معناه: يتبعونه حقَّ اتباعه بٱمتثالِ الأمر والنهي، قال أحمد بن نَصْر الدَّاوُودِيُّ: وهذا قول ابن عباس، قال عِكْرِمَةُ: يقال: فلانٌ يتلو فلاناً، أي: يتبعه؛ ومنه: { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلَـٰهَا } [الشمس:2] أي: تبعها. انتهى.

وللَّه دَرُّ مَنِ ٱتَّبَعَ كلامَ ربِّهِ، وٱقتفىٰ سُنَّة نبيِّه، وإِن قلَّ عِلْمُهُ، قال القُضَاعِيُّ في اختصاره لِــ «المدارك»: قال في ترجمة سُحْنُون: كان سُحْنُون يقول: مَثَلُ العلْمِ القليلِ في الرجُلِ الصالحِ مَثَلُ العَيْنِ العَذْبَةِ في الأرض العَذْبة، يزرع علَيْها صاحبُها ما ينتفعُ به، ومَثَلُ العلْمِ الكثيرِ في الرجُلِ الطالحِ مَثَلُ العَيْن الخَرَّارة في السَّبِخَةِ تهرُّ الليلَ والنَّهارَ، ولا ينتفعُ بها. انتهى.

وقيل: { يَتْلُونَهُ }: يقرءونه حقَّ قراءته، وهذا أيضاً يتضمَّن الاِتّباع والاِمتثالَ، و { حَقَّ }: مصدرٌ، وهو بمعنَى أفْعل، والضمير في «بِهِ» عائدٌ على «الكتاب»، وقيل: يعود على محمَّد صلى الله عليه وسلم؛ لأن مُتَّبِعِي التوراةِ يجدُونه فيها، فيؤمنون به، والضميرُ في { يَكْفُرْ بِهِ } يحتمل من العود ما ذكر في الأول.

وقوله تعالى: { يابَنِى إِسْرٰءِيلَ... } الآيةَ: تقدَّم بيان نظيرها، ومعنى: { وَلاَ تَنفَعُهَـا شَفَـٰعَةٌ }: أنه ليستْ ثَمَّ، وليس المعنَىٰ أنه يشفع فيهم أحَد، فيردّ، وأما الشفاعةُ التي هي في تعجيلِ الحسَابِ، فليستْ بنافعة لهؤلاءِ الكَفَرة.

* ت *: ولم ينبِّه - رحمه اللَّه - علَىٰ هذا في التي تقدَّمت أولَ السورة، و { ٱبْتَلَىٰ } معناه: ٱخْتَبَرَ، وفي «مختَصَرِ الطَّبريِّ»: { ٱبْتَلَىٰ }، أي: ٱختَبَرَ، والاختبارُ من اللَّه عزَّ وجلَّ لعباده علَىٰ علْمٍ منه سبحانه بباطِنِ أمرهم وظاهره، وإنما يبتليهم ليظهر منهم سابقُ علمه فيهم، وقد روي ذلك عن عليٍّ - رضي اللَّه عنه - في قوله عز وجَلَّ: { { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَـٰرَكُمْ } } [محمد:31] فقال رضي اللَّه عنه: إِن اللَّه عزَّ وجلَّ لم يزلْ عالماً بأخبارِهِمْ وخُبْرِهِمْ وما هُمْ عليه، وإن قوله: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ }، أي: حتَّىٰ نسوقَكُم إِلى سابقِ علْمِي فيكم. انتهى، وهو كلام حسنٌ.

وقد نبه * ع *: عَلىٰ هذا المعنَىٰ فيما يأتي، والعقيدةُ أنَّ علمه سبحانه قديمٌ، عَلِمَ كلَّ شيء قبْلَ كونه، فجَرَىٰ على قَدَرِهِ لا يكون من عباده قولٌ ولا عملٌ إلا وقد قضاه، وسبق علمه به سبحانه لا إله إلا هو.

و { إِبْرَاهِيمَ }: يقال: إِنَّ تفسيره بالعربيَّةِ أَبٌ رَحِيمٌ، واختلف أهل التأويل في «الكلمات»، فقال ابن عَبَّاس: هي ثلاثُونَ سَهْماً هي الإسلام كلُّه، لم يتمَّه أحدٌ كاملاً إلا إبراهيمُ - عليه السلام - منْها في «براءة»: { { ٱلتَّـٰئِبُونَ ٱلْعَـٰبِدُونَ... } الآية [التوبة:112]، وعشرة في «الأحزاب»: { { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ... } [الأحزاب:35]، وعَشَرة في { سَأَلَ سَائِلٌ } [المعارج:1].

* ت *: وقيل غير هذا.

وفي «البخاريِّ»: أنه اختتن، وهو ابن ثمانينَ سنَةً بالقَدُومِ، قال الراوي: فأوحى اللَّه إليه { إِنِّي جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } والإِمام القُدْوة.

وإِنما سمِّيت هذه الخصالُ كلماتٍ؛ لأنها اقترنتْ بها أوامر هي كلمات، وروي أن إبراهيم، لما أتمَّ هذه الكلماتِ أو أتمَّها اللَّه عليه، كتب اللَّه له البراءة من النَّار، فذلك قوله تعالَىٰ: { وَإِبْرٰهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } } [النجم:37]. وقول إبراهيم عليه السلام: { وَمِن ذُرِّيَّتِي } هو على جهةِ الرغباءِ إلى اللَّه، أي: ومن ذريتي، يا ربِّ، فٱجعلْ.

وقوله تعالى: { قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّـٰلِمِينَ }، أي: قال اللَّه، والعهد فيما قال مجاهد: الإِمامة.