التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ
١٣
وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ
١٤
ٱللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
١٥
أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ
١٦
-البقرة

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُواْ كَمَا ءَامَنَ ٱلنَّاسُ... } الآية: المعنَىٰ: صدِّقوا بمحمَّد وشرعه كما صدَّقَ المهاجرون والمحقِّقون من أهل يثرب، قالوا: أنكون كالذين خَفَّت عقولهم، والسفه: الخفَّة والرقَّة الداعيةُ إِلى الخفة، يقال: ثوب سَفِيهٌ، إِذا كان رقيقًا هَلْهَلَ النَّسْجِ، وهذا القول إِنما كانوا يقولونه في خفاء، فَأَطْلَعَ اللَّه عليه نبيَّه عليه السلام، والمؤمنين، وقرر أن السفه ورقَّة الحلوم وفساد البصائرِ إِنما هو في حيِّزهم وصفةٌ لهم، وأخبر أنهم لا يعلمون أنهم السفهاء لِلرَّيْنِ الَّذي على قلوبهم.

وقوله تعالَىٰ: { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ... } الآية: هذه كانت حالَ المنافقين: إِظهارُ الإيمان للمؤمنين، وإِظهار الكفر في خلواتهم، وكان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يعرض عنهم، ويَدَعُهُمْ في غمرة الاشتباه؛ مخافة أن يتحدَّثَ الناسُ عنه أنه يقتُلُ أصحابه حَسْبَمَا وقع في قِصَّة عبد اللَّه بن أُبَيٍّ ابْنِ سَلُول، قال مَالِكٌ: النِّفَاقُ في عهد رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم هو الزندقةُ اليَوْمَ، واختلف المفسِّرون في المراد بشياطينهم، فقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: هم رؤساء الكفر، وقيل: الكُهَّان، قال البخاريُّ: قال مجاهدٌ: { إِلَىٰ شَيَـٰطِينِهِمْ }، أي: أصحابهم من المنافقين والمشركين.

قال: * ص *: شياطينهم: جمع شيطانٍ، وهو كل متمرِّد من الجنِّ والإِنْسِ والدوابِّ. قاله ابن عبَّاس، وأنثاه شيطانة. انتهى.

* ت *: ويجب على المؤمن أن يجتنب هذه الأخلاق الذميمة، وقد ثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ" . رواه أبو داود، وفيه عنه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا، كَانَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ لِسَانَانِ مِنْ نَارٍ" . انتهى. من سنن أبي داود.

{ ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ }: اختلف المفسِّرون في هذا الاستهزاء، فقال جمهور العلماء: هي تسمية العُقُوبة باسم الذَّنْب، والعربُ تستعمل ذلك كثيرًا، وقال قوم: إن اللَّه سبحانه يفعل بهم أفعالاً هي في تأمل البَشَر هُزْءٌ؛ روي أنَّ النَّارَ تجمد كما تَجْمُدُ الإِهالة، فيمشون عليها، ويظنون أنها منجاة، فتخسف بهم، وما روي أن أبواب النَّار تفتح لهم، فيذهبون إِلى الخروج، نحا هذا المنحى ابنُ عَبَّاس والحسن.

* ت *: وقوله تعالى: { قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَاءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } [الحديد:13] يقوِّي هذا المنحَىٰ، وهكذا نص عليه في اختصار الطبريِّ. انتهى.

وقيل: استهزاؤه بهم هو استدراجُهُمْ بُدرُور النعم الدنيوية، و { يمدُّهم }، أي: يزيدهم في الطغيان، وقال مجاهد: معناه: يملي لهم، والطغيان الغُلُوُّ وتعدِّي الحدِّ؛ كما يقال: طَغَى المَاءُ، وَطَغَتِ النَّارُ و { يَعْمَهُونَ }: معناه: يتردَّدون حيرةً، والعَمَهُ الحَيْرَةُ من جهة النَّظَر، والعَامِهُ الذي كأنه لا يُبْصِرُ.