التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ
٢٧٠
إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
٢٧١
-البقرة

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ... } الآية: يقال: نَذَرَ الرَّجُلُ كَذَا، إِذا التزم فعله.

وقوله تعالى: { فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ }. قال مجاهدٌ: معناه: يُحْصِيه، وفي الآيةِ وعْدٌ ووعيدٌ، أي: مَنْ كان خالص النيَّة، فهو مثابٌ، ومن أنْفَقَ رياءً أو لمعنًى آخَرَ ممَّا يكْشفه المَنُّ والأذَىٰ، ونحو ذلك، فهو ظالمٌ يذهب فعْلُه باطلاً، ولا يجد ناصراً فيه.

وقوله تعالى: { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَـٰتِ فَنِعِمَّا هِيَ... } الآية: ذهب جمهورُ المفسِّرين إِلى أنَّ هذه الآيةَ في صدَقَةِ التطوُّع، قال ابن عبَّاس: جعل اللَّه صدَقَةَ السِّرِّ في التطوُّع تفضُلُ علانيتها، يقال: بسبعين ضِعْفاً، وجعل صدَقَةَ الفريضَةِ علانيتَهَا أفْضَلَ من سرِّها، يقال: بخَمْسَةٍ وعشْرين ضِعْفاً، قال: وكذلك جميعُ الفرائضِ والنوافلِ في الأشياء كلِّها.

* ع *: ويقوِّي ذلك قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهِ فِي المَسْجِدِ إِلاَّ المَكْتُوبَة" ، وذلك أن الفرائضَ لا يدْخُلُها رياءٌ، والنوافل عُرْضَةٌ لذلك، قال الطبريُّ: أجمعَ النَّاس علَىٰ أن إِظهار الواجِبِ أفضلُ.

وقوله تعالى: { فَنِعِمَّا هِيَ }: ثناءٌ علَىٰ إِبداء الصدقةِ، ثم حكم أنَّ الإِخفاء خيْرٌ من ذلك الإِبداءِ، والتقديرُ: نِعْمَ شيءٌ إِبداؤها، فالإِبداء هو المخصوصُ بالمدْحِ؛ وخرَّج أبو داود في «سننه»، عن أبي أُمَامَةَ، قال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "ٱنْطُلِقَ بِرَجُلٍ إِلَىٰ بَابِ الجَنَّةِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَإِذَا عَلَىٰ بَابِ الجَنَّةِ مَكْتُوبٌ: الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالقَرْضُ الوَاحِدُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ؛ لأنَّ صاحب القرضِ لا يأتيك إِلاَّ وهو محتاجٌ، والصدقةُ ربما وُضِعَتْ في غنيٍّ" ، وخرَّجه ابن ماجة في «سننه»، قال: حدَّثنا عُبَيْدُ اللَّه بن عبد الكريمِ، حدَّثنا هشام بْنُ خالدٍ، حدَّثنا خالدُ بن يَزِيدَ بْنِ أبي مالكٍ، عن أبيه، عن أنس بن مالك، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَىٰ بَابِ الجَنَّةِ مَكْتُوبٌ: الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَا بَالُ القَرْضِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: إِنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ، وَالمُسْتَقْرِضُ لاَ يَسْتَقْرِضُ إِلاَّ مِنْ حَاجَةٍ" . انتهى من «التذكرة».

وقرأ ابن كثير وغيره: «ونُكَفِّرُ»؛ بالنون، ورفع الراء، وقرأ ابن عامر: «وَيُكَفِّرُ»، بالياء، ورفع الراء، وقرأ نافع وغيره: «وَنُكَفِّرْ»، بالنون، والجزمِ، فأما رفْع الراء، فهو علَىٰ وجهين:

أحدهما: أن يكون الفعْلُ خبر ابتداءٍ، تقديره: ونحن نكفِّر، أو: واللَّه يكفر.

والثَّاني: القطع، والاستِئْناف، والواو لعطْفِ جملةٍ على جملةٍ، والجزمُ في الراءِ أفصحُ هذه القراءات؛ لأنها تؤذن بدُخُول التكفير في الجزاء، وكونه مشروطاً إِن وقع الإِخفاء، وأمَّا رفع الراءِ، فليس فيه هذا المعنَىٰ، و «مِنْ» في قوله: { مِّن سَيِّئَاتِكُمْ } للتبعيضِ المحْضِ، لا أنها زائدةٌ؛ كما زعم قومٌ، { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }: وعدٌ ووعيدٌ.