التفاسير

< >
عرض

يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ
٤٧
وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ
٤٨
-البقرة

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

قوله تعالَىٰ: { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ... } الآية قد تكرَّر هذا النداءُ والتذكيرُ بالنعمة، وفائدةُ ذلك أن الخطاب الأول يصحُّ أن يكون للمؤمنين، ويصح أن يكون للكافرين منهم، وهذا المتكرِّر إنما هو للكافرين؛ بدلالة ما بعده؛ وأيضاً: فإن فيه تقويةَ التوقيف، وتأكيدَ الحضِّ على أيَادِي اللَّه سبحانه، وحُسْن خطابهم بقوله سبحانه: { فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ }؛ لأن تفضيل آبائهم وأسلافهم تفضيلٌ لهم، وفي الكلام اتساعٌ، قال قتادة وغيره: المعنَىٰ: على عَالَمِ زمانِهِمُ الذي كانتْ فيه النبوءةُ المتكرِّرة، لأن اللَّه تعالى يقول لأمة محمَّد صلى الله عليه وسلم: { { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران:110].

{ وَٱتَّقُواْ يَوْمًا }، أي: عذابَ يوم، أو هولَ يومٍ؛ ويصح أن يكون يوماً نصبه على الظرف، و { لاَ تَجْزِي }: معناه: لا تغني، وقال السُّدِّيُّ: معناه: لا تقضي؛ ويقوِّيه قوله: { شَيْئاً }، وفي الكلام حذفٌ، التقدير: لا تجزي فيه، وفي مختصر الطبريِّ: أي: واتقوا يوماً لا تقضي نفْسٌ عن نفس شيئاً، ولا تغني غَنَاءً، وأَحَدُنَا اليومَ قد يقضي عن قريبه دَيْناً، وأما في الآخرة، فيسر المرء أن يترتَّب له على قريبه حقٌّ؛ لأنَّ القضاء هناك من الحسنات والسيئات؛ كما أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم. انتهى.

والشَّفَاعَةُ: مأخوذة من الشَّفْع، وهما الاثنان؛ لأن الشافع والمشفوع له شَفْعٌ؛ وسبب هذه الآية أنَّ بني إسرائيل قالوا: «نَحْنُ أبناءُ أنبياءِ اللَّه، وسيشفع لنا آباؤنا»، وهذا إنما هو في حق الكافرين؛ للإجماع، وتواترِ الأحاديث بالشفاعة في المؤمنين.

وقوله تعالَىٰ: { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ }: قال أبو العالية: العَدْلُ: الفدية.

قال: * ع *: عدل الشيْءِ هو الذي يساويه قيمةً وقدراً، وإن لم يكن من جنسه، والعِدْلُ؛ بكسر العين: هو الذي يساوي الشيء من جنسه، وفي جرمه، والضمير في قوله: { وَلاَ هُمْ } عائد على الكافرين الذين اقتضتهم الآيةُ، ويحتمل أن يعود على النفسينِ المتقدِّمِ ذكرُهما؛ لأن اثنين جمع، أو لأن النفس للجنْسِ، وهو جمع، وحصرت هذه الآية المعاني التي اعتادها بنو آدم في الدنيا؛ فإِن الواقع في شدة مع آدمي لا يتخلَّص إِلاَّ بأن يشفع له، أو ينصر، أو يفتدى.

* ت *: أو يمنّ عليه إلا أنَّ الكافرَ ليس هو بأهلٍ لأنْ يمنّ عليه.