التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٧٦
أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ
٧٧
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ
٧٨
-البقرة

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا... } الآية: المعنى: وهم أيضاً، إذا لُقُوا يفعلون هذا، فكيف يُطْمَع في إيمانهم، ويحتمل أن يكون هذا الكلام مستأنَفاً؛ فيه كشف سرائرهم؛ وَرَدَ في التفسير؛ "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: لاَ يَدْخُلَنَّ عَلَيْنَا قَصَبَةَ المَدِينَةِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، فقال كَعْبُ بن الأشْرَفِ وأشباهه: ٱذهبوا وتحسَّسوا أخبارَ من آمَنَ بمحمَّد، وقولوا لهم: آمنا، وٱكْفُرُوا إِذا رجعتم" ، فنزلتْ هذه الآية، وقال ابن عبَّاس: نزلَتْ في المنافقين من اليهود، وروي عنه أيضاً أنها نزلَتْ في قومٍ من اليهود، قالوا لبعض المؤمنين: نحن نؤمن أنه نبيٌّ، ولكن ليس إلَيْنا، وإنما هو إِليكم خاصَّة، فلما خلوا، قال بعضهم: لم تُقِرُّونَ بنبوءته، وقال أبو العالية وقتادةُ: إِن بعض اليهود تكلَّم بما في التوراة من صفة النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال لهم كفرةُ الأحبار: { أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } أي: عرَّفكم من صفة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -.

و { يُحَاجُّوكُم }: من الحجة، و { عِندَ رَبِّكُمْ }: معناه: في الآخرة.

وقوله تعالى: { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }: قيل: هو من قول الأحبار لَلأتباعِ، وقيل: هو خطابٌ من اللَّه تعالَىٰ للمؤمنين، أي: أفلا تعقلون أن بني إِسرائيل لا يؤمنون، وهم بهذه الأحوال.

و { أُمِّيُّونَ } هنا: عبارةٌ عن عامَّة اليهود، وجهلتهم، أي: أنهم لا يطمع في إيمانهم لما غمرهم من الضَّلاَل، والأُمِّيُّ في اللغة: الذي لا يكتب ولا يقرأ في كتابٍ؛ نُسِبَ إلى الأُمِّ؛ إِما لأنه بحالِ أمِّه من عَدَمِ الكتب، لا بحال أبيه؛ إذ النساء ليس من شغلهن الكَتْبُ؛ قاله الطبريُّ؛ وإما لأنه بحال ولدته أمه فيها، لم ينتقل عنها.

و { ٱلْكِتَـٰبَ }: التوراة.

والأَمَانِيُّ: جمع أُمْنِيَّة، وٱختلف في معنى { أَمَانِيَّ }، فقالت طائفة: هي ههنا من: تمنَّى الرجل، إذا ترجَّىٰ، فمعناه أن منهم من لا يكْتُب ولا يقرأ، وإنما يقول بظنِّه شيئاً سمعه، فيتمنَّىٰ أنه من الكتاب.

وقال آخرون: هي من تمنَّىٰ إذا تلا، ومنه قول الشاعر: [الطويل]

تَمَنَّىٰ كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلِهِوَآخِرَهُ لاَقَىٰ حِمَامَ المَقْادِرِ

فمعنى الآية: أنهم لا يَعْلَمُون الكتاب إِلاَّ سماع شيْءٍ يُتْلَىٰ، لا عِلْمَ لهم بصحَّته.

وقال الطبريُّ: هي من تَمَنَّى الرجُلِ، إذا حدَّث بحديث مختلَقٍ كذبٍ، أي: لا يعلمون الكتاب إِلا سماعَ أشياء مختلَقَةٍ من أحبارهم، يظنُّونها من الكتاب.

* ص *: { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }: «إِنْ»: نافية؛ بمعنى «مَا». انتهى.