التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
١٢٣
إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ
١٢٤
بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ
١٢٥
-آل عمران

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ... } لمَّا أمر اللَّه سبحانه بالتوكُّل عليه، ذَكَّر بأَمْر بَدْرٍ الذي كان ثَمَرَتُهُ التوكُّلَ عَلَى اللَّه سبحانه، والثِّقَةَ به.

وقوله سبحانه: { وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ }: معناه: قليلون، وٱسْمُ الذُّلِّ في هذا الموضع: مستعارٌ؛ إذ نسبتهم إلى عدوِّهم، وإلى جميعِ الكفَّار في أقطار الأرض تَقْتَضِي عند المتأمِّل ذِلَّتَهُمْ، وأنهم مغلوبُونَ؛ رَوَى ٱبْنُ عمرو "أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي ثَلاَثِمِائَةٍ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ، إنَّهُمْ حُفَاةٌ، فَٱحْمِلْهُم، اللَّهُمَّ إنَّهُمْ عُرَاةٌ، فَٱكْسُهُم، اللَّهُمَّ، إنَّهُمْ جِيَاعٌ، فَأَشْبِعْهُمْ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَٱنْقَلَبُوا حِينَ ٱنْقَلَبُوا، وَمَا فِيهِمْ رجُلٌ إلاَّ قَدْ رَجَعَ بِجَمَلٍ أوْ جمَلَيْنِ، وَٱكْتَسَوْا، وَشَبِعُوا" رواه أبو داود، والحاكمُ في «المستدرك على الصَّحيحَيْن»، واللفظ له، وقال: صحيحٌ على شرط الشيخَيْن. اهـــ من «السلاح».

وقوله سبحانه: { إِذْ تَقُولُ }: العاملُ في «إذ» فعلٌ مضمرٌ، ويحتملُ أنْ يكون العاملُ «نَصَرَكُمْ»، وعلَىٰ هذا قولُ الجمهورِ؛ أَنَّ هذا القولَ مِنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ ببَدْرٍ، قال ابنُ عبَّاس: لم تقاتِلِ الملائكةُ في يَوْمٍ من الأيامِ إلا يَوْمَ بَدْرٍ، وكانوا يكونون في سائرِ الأيام عدَداً ومَدداً لا يَضْرِبُون، قال الشَّعْبِيُّ: وهم يحضرون حروبَ المُسْلمين إلى يَوْمِ القيامة، وقال قتادة: أمد اللَّه المؤمنين يَوْمَ بَدْر بخَمْسَة آلاف، قال عِكْرِمَةُ: كان الوعْدُ يوْمَ بدرٍ، فلم يصْبروا يَوْمَ أُحُدٍ، ولا ٱتقَوْا، فلم يُمَدُّوا، ولَوْ مُدُّوا، لَمْ يهزموا، وقال الضَّحَّاك، وابنُ زيدٍ: إنما كان هذا الوعدُ والمقالة للمؤمنين يوم أحُدٍ، ففَرَّ الناس، ووَلَّوْا مدبرين، فلم يمدَّهم اللَّه، وإنما مُدَّوا يوم بدر بألفٍ من الملائكة مُرْدِفِينَ، والفَوْرُ: النهوضُ المُسْرِعُ إلى الشيء؛ مأخوذ من فَوْرِ القِدْرِ، والماءِ ونحوِهِ؛ ومنْه: الفَوْرُ في الحَجِّ والوُضُوءِ و { مُسَوِّمِينَ }: معناه: مُعْلِمِينَ بعَلاَماتٍ، وروي أنَّ الملائكةَ أَعْلَمَتْ يَوْمَ بَدْرٍ بعمائمَ بِيضٍ إلاَّ جِبْرِيل؛ فإنه كان بِعَمَامَةٍ صَفْرَاءَ علَىٰ مثالِ عَمَامَةِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ، وروي أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ للمسلمينَ يَوْمَ بَدْرٍ: "سُوِّمُوا؛ فَإنَّ المَلاَئِكَةَ قَدْ سَوَّمَتْ" .