التفاسير

< >
عرض

وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً
٣٦
ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً
٣٧
-النساء

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰناً... } العبادة: التذلُّل بالطَّاعة، وإِحساناً، مصدرٌ، والعاملُ فيه فِعلٌ، تقديره: وأحْسِنُوا بالوالدين إِحساناً، وَبِذِي القُرْبَى: هو القريبُ النَّسَبِ مِنْ قِبَلِ الأبِ والأُمِّ، قال ابنُ عبَّاس وغيره: والجَارُ ذو القربَى: هو القريبُ النَّسَبِ، والجَارُ الجُنُبِ: هو الجَارُ الأجنبيُّ، وقالَتْ فرقة: الجَارُ ذو القربَى: هو الجارِ القريبُ المَسْكنِ منْكَ، والجار الجُنُب هو البعيدُ المَسْكن منْكَ، والمُجَاورة مراتِبُ بعضُها أَلْصَقُ من بعض؛ أدناها الزَّوْجَة.

قال ابنُ عباس وغيره: الصَّاحِبُ بالجَنْبِ: هو الرفيقُ في السَّفَر.

وقال عليُّ بنْ أبي طالب، وابنُ مَسْعود، وابنُ أبي لَيْلَى وغيرهم: هو الزوجَةُ، وقال ابنُ زَيْدٍ: هو الرجلُ يعتريكَ ويُلِمُّ بك لتنفعه، وأسند الطبريُّ؛ "أنَّ رسولَ اللِّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وهُمَا عَلَى رَاحِلَتَيْنِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْضَةً، فَقَطَعَ قَضِيبَيْنِ، أَحَدُهَمَا مُعْوَجٌّ، وخَرَجَ فَأَعْطَى صَاحِبَهُ القَوِيمَ، وَحَبَسَ هُوَ المُعْوَجَّ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: كُنْتَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَقَّ بِهَذَا، فَقَالَ لَهُ: يَا فُلاَنُ، إِنَّ كُلَّ صَاحِبٍ يَصْحَبُ الآخَرَ، فَإِنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْ صَحَابَتِهِ، وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهِارٍ" ، قلْتُ: وأسند الحافظ محمَّد بْنُ طاهرٍ المُقْدِسيُّ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ" . انتهى من «صفوة التصوُّف».

وفي الحديثِ الصحيح، عنِ ابْنِ عُمَر، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ" ، أخرجه البخاريُّ، وأخرجه أيضاً من طريق عائشة (رضي اللَّه عنها) انتهى.

وابنُ السَّبِيلِ: المسافرُ، وسُمِّيَ ابْنُهُ؛ للزومه له، ومَا مَلَكَتْ أيمانُكُمْ: هم العبيدُ الأَرِقَّاء.

قال ابنُ العَرَبِيّ في «أحكامه»: وقد أمر اللَّه سبحانه بالرِّفْقِ بهم، والإِحسانِ إِلَيْهم؛ وفي «الصحيح» عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أنَّهُ قَالَ: "إِخْوَانُكُمْ مَلَّكَكُمُ اللَّهُ رِقَابَهُمْ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مِنَ العَمَلِ مَا لاَ يُطِيقُونَ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ، فَأَعِينُوهُمْ" . انتهى.

ونفَى سبحانه محبَّته عَمَّنْ صفته الخُيَلاءُ والفَخْر، وذلك ضَرْبٌ من التوعُّد، يقال: خَالَ الرَّجُلُ يَخُولُ خَوْلاً، إِذا تكبَّر وأُعْجِبَ بنفسه، وخَصَّ سبحانه هاتَيْن الصفَتَيْن هنا؛ إِذ مقتضاهما العُجْبُ والزَّهْو، وذلك هو الحَامِلُ عَلَى الإِخلال بالأصْنَافِ الذين تَقدَّم أَمْرُ اللَّه بالإِحسان إِلَيْهم.

وقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } الآية: قالتْ فرقةٌ: «الذين» في موضعِ نَصْبٍ بدلٍ مِنْ "مَنْ" في قوله: { مَن كَانَ مُخْتَالاً }، ومعناه؛ على هذا: يبخَلُونَ بأموالهم، ويأمرون الناس، يَعْنِي، إِخوانَهُمْ ومَنْ هو مَظِنَّة طاعتهم؛ بالبُخْل بالأموال أَنْ تُنْفَقَ في شَيْءٍ من وُجُوه الإِحسان إِلى مَنْ ذَكَر، { وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ }، يعني: مِنَ الرِّزْقِ والمالِ، فالآيةُ، إِذَنْ، في المؤمنين، أي: وأما الكافِرُونَ فأعدَّ لهم عذاباً مُهِيناً، وروي أنَّ الآية نزلَتْ في أحبارِ اليَهُود بالمدينةِ؛ إِذ كتموا أَمْر النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وبَخِلُوا به، والتوعُّدُ بالعذابِ المُهِينِ لهم، و { وَأَعْتَدْنَا }: معناه يَسَّرْنَا وأحْضَرْنَا، والعَتِيدُ: الحَاضِرُ، والمُهِينُ: الذي يَقْتَرِنُ به خِزْيٌ وذُلٌّ، وهو أنْكَى وأشدُّ على المُعَذَّبِ.