التفاسير

< >
عرض

وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً
٦
لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً
٧
-النساء

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله: { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ... } الآية: الابتلاءُ: الاختبارُ، و { بَلَغُواْ النّكَاحَ }: معناه: بَلَغُوا مَبْلَغَ الرجَالِ بِحُلُمٍ أوْ حَيْضٍ، أوْ غَيْرِ ذلك، ومعناه: جَرِّبوا عقولهم، وقَرَائِحهم، وتصرُّفهم، و { ءانَسْتُمْ }: معناه: عَلِمْتُمْ، وشَعَرْتُمْ، وخَبَرْتُمْ، ومالكٌ (رحمه اللَّه) يرَى الشَّرْطَيْن البُلُوغَ والرُّشد المختَبَرَ، وحينئذٍ يدفع المال.

قال * ع *: والبلوغُ لم تَسُقْهُ الآيةُ سِيَاقَ الشَّرْط، ولكنَّها حالةُ الغالِبِ علَىٰ بني آدم؛ أنْ تَلْتَئِمَ عقولُهم فيها، فهو الوقْتُ الذي لا يُعْتَبَرُ شَرْط الرُّشْد إلاَّ فيه، فقال: إذا بلغ ذلك الوقْتَ، فلينظُرْ إلى الشرط، وهو الرُّشْد حينئذٍ؛ وفصاحةُ الكلامِ تدُلُّ علَىٰ ذلك؛ لأنَّ التوقيتَ بالبلوغِ جاء بـــ «إذَا»، والمشروطُ جاء بـ «إنْ» التي هي قاعدةُ حروفِ الشرطِ، «وإذا» ليستْ بحَرْفِ شرطٍ إلاَّ في ضرورة الشِّعْر، قال ابنُ عَبَّاس: الرُّشْد في العقلِ وتدبيرِ المَالِ لا غَيْرُ؛ وهو قولُ ابنِ القَاسِمِ في مَذْهَبنا.

وقال الحَسَنُ، وقَتَادة: الرُّشْد في العَقْلِ والدينِ؛ وهو روايةٌ أيضًا عن مالك.

وقوله تعالى: { وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ }: نهي منه سبحانَه للأوصياء عَنْ أَكْل أموالِ اليتامَىٰ بغَيْر الواجبِ المُبَاح لهم، والإسْرَافُ: الإفراط في الفَعْل، والسَّرَف: الخَطَأُ في مواضع الإنفاق، وبِدَاراً: معناه: مُبَادَرَةَ كِبَرِّهم، أيْ أنَّ الوصِيَّ يستغنمُ مالَ مَحْجُورِهِ، وأَنْ يَكْبَرُوا: نَصْبٌ بـ «بِدَار»، ويجوز أنْ يكونَ التقديرُ مخافةَ أنْ يَكْبَرُوا.

وقوله تعالَىٰ: { وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ }، يقال: عَفَّ الرجُلُ عَنِ الشَّيْء، وٱسْتَعَفَّ، إذا أَمْسَكَ، فَأُمِرَ الغنيُّ بالإمساك عَنْ مالِ اليتيمِ؛ وأبَاحَ اللَّه للوصيِّ الفقيرِ أنْ يأكُلَ مِنْ مالِ يتيمه بالمَعْروف.

واختلف العلماءُ في حَدِّ { ٱلْمَعْرُوفِ }، فقال ابنُ عَبَّاس وغيره: إنما يأكل الوصيُّ بالمعروف؛ إذا شَرِبَ مِنَ اللَّبَنَ، وأَكَلَ مِنَ التَّمْر بما يهنأ الجَرْبَاء، ويلطُّ الحَوْض، ويُجِدُّ التمْر، وما أشبهه، قُلْتُ: يقال للقَطِرَانِ: الهَنا؛ في لغة العرب؛ كذا رأيته مَنْصُوصاً عليه.

وقوله تعالى: { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوٰلَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ }: أمْرٌ من اللَّه تعالَىٰ بالتحرُّز والحَزْم، وهذا هو الأَصْل في الإشهاد في المَدْفُوعات كلِّها؛ إذا كان حَبَسَهَا أوَّلاً معروفاً.

قال * ع *: والأظهر أنَّ { حَسِيباً } هنا: معناه: حَاسِباً أعمالكم، ومجازياً بها، ففِي هذا وعيدٌ لكلِّ جاحدِ حَقٍّ.

وقوله سبحانه: { لِّلرِّجَالِ نَصِيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوِٰلِدانِ وَٱلأَقْرَبُونَ... } الآية: قال قتادة وغَيْره: سبَبُ نزولِ هذه الآيةِ أنَّ العرب كَانَ منْها مَنْ لا يُوَرِّثُ النساءَ، ويقولونَ: لا يَرِثُ إلاَّ مَنْ طَاعَنَ بالرُّمْحِ، وقَاتَلَ بالسَّيْف.