التفاسير

< >
عرض

مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً
٨٥
وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً
٨٦
ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً
٨٧
-النساء

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { مَّن يَشْفَعْ شَفَـٰعَةً حَسَنَةً... } الآية: قال مجاهدٌ وغيره: هي في شَفَاعَاتِ النَّاس بينهم في حوائجهم، فَمَنْ يشفعْ لينفَع، فلَهُ نصيبٌ، ومَنْ يشفعْ ليضُرَّ، فله كِفْلٌ، والكِفْلُ: النَّصيبُ، ويستعمل في الخَيْرِ وفي الشَّرِّ، وفي كتاب اللَّه تعالَىٰ: { { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } [الحديد:28]، وروى أبو داود، عن أبي أُمَامَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أنَّهُ قَالَ: "مَنْ شَفَعَ لأحَدٍ شَفَاعَةً، فَأَهْدَىٰ لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْهَا، فَقَبِلَهَا، فَقَدْ أَتَىٰ بَاباً عَظِيماً مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا" . انتهى.

وَ { مُّقِيتاً }: معناه: قديراً؛ ومنه قولُ الزُّبَيْر بْنِ عبدِ المُطَّلِبِ: [الوافر]

وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عَنْهوَكُنْتُ عَلَىٰ إسَاءَتِهِ مُقِيتَا

أيْ: قديراً.

وقيل: مُقِيتاً: معناه شهيداً، وقيل: حفيظاً.

وذهب مقاتلٌ إلى أنه الذي يَقُوتُ كلَّ حيوان، قال الداووديُّ: قال الكلبيُّ المَقِيتُ هو المُقْدِرُ بلُغَة قُرَيْشٍ. انتهى.

وقوله سبحانه: { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ... } الآية: قالتْ: فرقةٌ: معنى الآية: تخييرُ الرَّادِّ؛ فإذا قال البادىءُ: «السَّلاَمُ عَلَيْكَ»، فللرادِّ أنْ يقولَ: «وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ» فقطْ، وهذا هو الرَّدُّ، وله أنْ يقولَ: «وعَلَيْكَ السَّلاَمُ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ»، وهذا هو التحيَّة بأحْسَنَ، ورُوِيَ عن ابن عُمَرَ وغيره ٱنتهاءُ السَّلام إلى البَرَكة، وقالَتْ فرقةٌ: المعنَىٰ: إذا حُيِّيتم بتحيةٍ، فإن نَقَص المسلِّمُ مِنَ النهاية، فحَيُّوا بأحْسَنَ منها، وإن ٱنتهَىٰ، فردُّوها، كذلك قال عطاءٌ، والآيةُ في المؤمنين خاصَّةً، ومَنْ سَلَّم من غيرهم، فيقالُ لَهُ: «عَلَيْكَ»؛ كما في الحديثِ، وفي أبِي داوُدَ، والترمذيِّ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَ بالسَّلاَمِ" . انتهى.

وأكثرُ أهل العلْمِ علَىٰ أنَّ الابتداءَ بالسَّلاَمِ سُنَّةٌ مؤكَّدة، وَرَدُّه فريضةٌ؛ لأنه حقٌّ من الحقوقِ؛ قاله الحسن وغيره، قال النوويُّ: ورُوِّينا في كتاب ابْنِ السُّنِّيِّ، عن أنسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ عَبْدَيْنِ مُتَحَابَّيْنِ فِي اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ يَسْتَقْبِلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَيُصَافِحُهُ، فَيُصَلِّيَانِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلاَّ لَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّىٰ تُغْفَرَ ذُنُوبُهُمَا، مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا وَمَا تَأَخَّرَ" ، ورُوِّينَا فيه عَنْ أَنسٍ أيضاً، قال: «مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِيَدِ رَجُلٍ، فَفَارَقَهُ؛ حَتَّىٰ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»؛ وَروِّينَا فيه، عَنِ البَرَاءِ بنِ عازِبٍ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المُسْلِمَيْنَ إذَا ٱلْتَقَيَا، فَتَصَافَحَا، وتَكَاشَرَا بِوُدٍّ وَنَصِيحَةٍ، تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا بَيْنَهُمَا" ، وفي رواية: «إذَا ٱلْتَقَى المُسْلِمَانِ، فَتَصَافَحَا، وَحَمِدَا اللَّهَ تَعَالَىٰ، وَٱسْتَغْفَرَا ــــ غَفَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا». انتهى.

و { حَسِيباً }: معناه حَفِيظاً، وهو فَعِيلٌ من الحِسَاب.

وقوله سبحانه: { ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ... } الآية: لما تقدَّم الإنذارُ والتحذيرُ الذي تضمَّنه قوله تعالَىٰ: { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلّ شَيْء حَسِيباً }، تلاه الإعلامُ بصفَةِ الربوبيَّة، وحالِ الوحدانيَّة والإعلامِ بالحَشْرِ والبَعْثِ مِنَ القبور للثَّواب والعقابِ إعلاماً بقَسَمٍ، تقديره: وَحَقِّهِ وَعَظَمَتِهِ لَيَجْمَعَنَّكُمْ، والجَمعُ بمعنى الحَشْر.

وقوله سبحانه: { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً }: المعنى: لا أحَدَ أصْدَقُ مِنَ اللَّه تعالَىٰ.