وقوله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى ٱللَّهِ... } الآية ابتداءُ توصيةٍ لنبيِّه ـــ عليه السلام ـــ، وهو لفظ يَعُمُّ كلَّ مَنْ دعا قديماً وحديثاً إلى اللَّه عزَّ وجلَّ من الأنبياء والمؤمنين، والمعنى: لا أَحَدَ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ هذه حالُهُ، وإلى العمومِ ذهب الحسن ومقاتلٌ وجماعةٌ، وقيل: إنَّ الآية نزلَتْ في المُؤَذِّنينَ، وهذا ضعيفٌ؛ لأَنَّ الآية مَكِّيَّةٌ، والأذانُ شُرِعَ بالمدينةِ، قال أبو حَيّان: { وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ } «لا» زائدة للتوكيدِ، انتهى.
وقوله تعالى: { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } آية جَمَعَتْ مكارمَ الأخلاقِ وأنواعَ الحِلْمِ، والمعنى: ٱدْفَعْ ما يعرض لك مع الناس في مخالطتهم بالفعلة أو بالسيرة التي هي أَحْسَنُ، قال ابن عبَّاس: أمره اللَّه تعالَىٰ في هذه الآية بالصَّبْر عند الغَضَبِ، وَالحِلْمِ عند الجَهْل، والعَفْوِ عِنْدَ الإسَاءَةِ، فإذا فعل المؤمنُونَ ذلك، عَصَمَهُمُ اللَّه من الشيطان، وخضع لهم عَدُوُّهم، { كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ } البخاريُّ: «وليُّ حميم» أي: قريب، انتهى،، وفسَّر مجاهدٌ وعطاءٌ هذه الآية بالسَّلاَمِ عند اللِّقاء، قال * ع *: ولا شَكَّ أنَّ السلام هو مبدأُ الدَّفْعِ بالتي هي أحسن، وهو جزء منه، والضمير في قوله: { يُلَقَّاهَا } عائد على هذه الخُلُقِ التي يقتضيها قوله: { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ }، وقالت فرقة: المراد: وما يُلَقَّى «لاَ إلٰهَ إلاَّ اللَّهُ»، وهذا تفسير لا يقتضيه اللفظ.
وقوله سبحانه: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ }: مدح بليغ للصابرين، وذلك بَيِّنٌ للمتأَمِّلِ؛ لأنَّ الصَّبْرَ على الطاعات وعنِ الشهوات جامع لخصَالِ الْخَيْر كلِّها، والحظُّ العظيمُ: يَحْتَمِلُ أن يريد من العقل والفضلِ؛ فتكونَ الآية مدحاً لِلْمُتَّصِفِ بذلك، ويحتمل أن يريد: ذو حظ عظيم من الجنة وثواب الآخرة، فتكونَ الآية وعداً، وبالجنة فسر قتادةُ الحَظَّ هنا.