التفاسير

< >
عرض

قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ
٢٣
فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢٤
تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ
٢٥
وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٢٦
-الأحقاف

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ... } الآية، المعنى: قال لهم هود: إنَّ هذا الوعيد ليس من قِبَلِي، وإنما الأمر فيه إلى اللَّه، وعِلْمُ وقته عنده، وإنَّما عَلَيَّ أَنْ أُبَلِّغَ فقطْ، والضميرُ في { رَأَوْهُ } يحتمل أنْ يعودَ على العذاب، ويحتمل أنْ يعودَ على الشيء المرئِيِّ الطالِعِ عليهم، وهو الذي فَسَّرَهُ قوله: { عَارِضاً } و«العَارِض»: هو ما يَعْرِضُ في الجَوِّ من السحاب المُمْطِر؛ قال ابن العربيِّ في «أحكامه» عند تفسيره قوله تعالى: { { وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَـٰنِكُمْ } [البقرة:224]: كُلُّ شيء عَرَضَ، فقد مَنَعَ، ويقال لِمَا عَرَضَ في السماء من السحاب: «عارِضٌ»؛ لأَنَّه مَنَعَ من رؤيتها ومن رؤية البدر والكواكب، انتهى، ورُوِيَ في معنى قوله: { مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ }؛ أَنَّ هؤلاء القومَ كانوا قد قَحَطُوا مُدَّةً، فطلع هذا العارض من جهة كانوا يُمْطَرُونَ بها أبداً، جاءهم من قِبَلِ وادٍ لهم يسمونه المُغِيثَ، قال ابن عباس: ففرحوا به، وقالوا: هذا عارضٌ مُمْطِرُنا، وقد كذب هودٌ فيما أوعد به، فقال لهم هُودٌ ـــ عليه السلام ـــ: ليس الأمر كما رأيتم، بل هو ما استعجلتم به في قولكم: { { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } } [الأحقاف:22] ثم قال: { رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } وفي قراءة ابن مسعود: «مُمْطِرُنَا قَالَ هُودٌ: بَلْ هُوَ رِيحٌ» بإظهار المُقَدَّرِ و{ تُدَمِّرُ } معناه: تُهْلِكُ، و«والدمار»: الهلاك، وقوله: { كُلَّ شَىْءِ } ظاهره العموم، ومعناه الخُصُوصُ في كُلِّ ما أُمِرَتْ بتدميره، وروي أَنَّ هذه الريح رمتهم أجمعين في البَحْرِ.

ثم خاطب جلَّ وعلا قريشاً على جهة الموعظة بقوله: { وَلَقَدْ مَكَّنَـٰهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّـٰكُمْ فِيهِ } فَـ«مَا» بمعنى «الذي»، و«إن» نافية وقعتْ مكان «مَا» لمختلف اللفظ، ومعنى الآية: ولقد أعطيناهُمْ من القُوَّةِ والغِنَىٰ والبَسْطِ في الأموال والأجسامِ ـــ ما لم نُعْطِكُمْ، ونالهم بسَبَبِ كُفْرِهِمْ هذا العَذَابُ؛ فأنتم أحرَىٰ بذلك؛ إذا تماديتم في كفركم، وقالت فرقة: «إنْ» شرطية، والجواب محذوف، تقديره: في الذي إنْ مَكَّنَّاكم فيه طغيتم، وهذا تَنَطُّعٌ في التأويل، و«ما» نافية في قوله: { فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ }؛ ويقوِّي ذلك دخولُ «مِنْ» في قوله: { مِّن شَىْءٍ }، وقالت فرقةٌ: بل هي استفهامٌ؛ على جهة التقرير؛ و{ مِّن شَىْءٍ } ـــ على هذا ـــ تأكيدٌ؛ وهذا على غير مذهب سيبَوَيْهِ في دخول «مِنْ» في الجواب.